لحن كان يتردد صداه ببرية جبال وأودي البحر الميت، لم نكن على موعد به أو نتوقعه بخلوتنا التي رافقها صوت عذب حملنا معه لغاية قلعة حصينة مكاور.

التحضير لماناسلو

بدأ التدريب بمسار في البحر الميت 343م تحت سطح البحر، وهو تدريب جبليّ لتهيئنا للرحلة القادمة إلى قمم الهمالايا ذو ارتفاع 17200 قدم بدرب مناسلو، محملين براية الوطن وقِيَمٍ نعتز بها ونضاهي بها الأمم، إضافةٍ إلى الحاجة لأدوات معينة والمثابرة على التدريب لشهور طويلة حيث يكون بالمسير لأربعة عشر يوماً متواصلاً في ظروف جوية وجيولوجية مختلفة كلياً عن بلادنا.

إنه صعب المسار، ففيه درب صعوداً بالكامل، وهو متعدد العوائق على مدى ثلاثة عشر كيلو متر، ومع ذلك كانت له متعة خاصة، بفحص قدرتنا والتأكد أخيراً من كفاءتنا في الشهر الأخير قبل القيام بالمغامرة.

ولا بد بكل مسار أن نقابل أشخاصاً يصنعون يومنا، فكان أجمل ما صادفنا في هذا الترحال، صاحب مزرعة شمام، حيث أصرَّ أن نستريح عنده لإكرامنا بما لذّ وطاب مما جاد من خيرات أرضه، وبعد الإنهاء استودعناه بإرشاد قائد المسير بما رسمه عبر تطبيقات الجوال للطريق الآمن والمناسب لذلك، ضمن جيولوجيا غُلِبَ عليها اللون الأحمر الغنيّ بخام الحديد " الهيماتيت"، بجانب وجود تعرجاتٍ صفراء لترسبات الكبريت بين حنايا الصخور، وغيرها الكثير لتأسرك بجمال تكوينها وتغيّر ألوانها.

الصوت المجهول

عندما طل القمر من خلف جبل بني حميدة، سمعنا صوتاً ملائكياً، رافقه لحن يتردد صداه المجسم بالوادي الذي نسير على كتفه، حيث تناغم الصوتان ليكون بين الترانيم والغناء الشعري، فقد أخذتنا الحيرة لعدم العلم بمكان مصدره، وبينما كانت الأضواء تعانق السماء، وصلنا إلى مشارف الجبل العظيم، الذي تتربع عليه قلعة مكاور، وهو الاسم المعرب من ماكبيروس ، توليفةٌ أذهلتنا، وأزالت تعبِ المسافة وعناء التضاريس، حيث استمر ذلك المنظر حتى وصلنا لمركز الزوار السياحي 730م ، فما إن بلغنا نقطة النهاية حتى حظينا بكرم الضيافة متسائلين بإعجاب عن كيفية خروجنا بهذا الوقت من بطن الوادي الحالك.

لا ننسى دور وازرة السياحة باستقبال منظمي بروفات الحفل من هيئة تنشيط السياحة ووزارة السياحة والآثار، وتسليطها الضوء على أحداث "قلعة الذبيح" زمن الملك هيرودس، الذي أمر بقطع رأس يوحنا المعمدان -نبي الله- يحيى بن زكريا -عليه السلام-، واقتياده من موقع عين سالم قرب بلدة سويمة بأسوأ جرائم التاريخ، التي مُثلت بشهوانية هِيرُودِسُ أنتيباس الحاكم الطاغي، وحقد امرأة هيروديا زوجة أخيه فيليبس الذي زج به بالسجن ليتفرد بها، وبابنتها سالومي التي طلبت رأس النبي هديةً لأمها حين رقصت للطاغية حتى الفجر بعد أن طلق زوجته العربية النبطية لهذه الغاية.

الحفل التاريخي

لنعود باليوم التالي لحضور الحفل المسرحي الغنائي وهو من تأليف الأب جوزيف سويد، وهو وكيل البطريركي للكنيسة المارونية في الأردن، بجانب أداء الفرقة الاستعراضية اللبنانية المحاكية لقصة المكان والظلم والاستبداد على البشرية جمعاء، وتجسيده لموقعه الموجود ضمن درب الحج المسيحي وما دار به من أحداث، بما فيها ليلة قطع رأس النبي المشهود له بثقة قومه به حيث كانت الاحتفالات ضمن احتفال محافظة مأدبا -عاصمة السياحة العربية لعام 2022- بمبادرة من النائب م. مجدي اليعقوب، والتي تجلى فيها ثلاثون مشاركاً، فقد كانت خلفية الاحتفال مزينةً بغروب الشمس وتواريها خلف الغيمة، قبل أن تذوب أشعتها ببحر الملح، وتداخلها بوقت الأداء، بجانب ليلة مكتملة البدر حيث أذهلت كلاً من الحضور، فحركتْ نسمة ملابس المؤديين، وتأثر الحضور بالمؤثرات الصوتية على المسرح، والضوء المسلط على قمة القلعة نحو عامودها الوحيد، الذي ما زال منتصباً لغاية اليوم برمزية الرحمة والخير والسلام، أما اَلثِّيَاب فقد أخذ مصمميها بعين الاعتبار أدق التفاصيل لتمثل الحاكم وعشيقته وابنتها وجنده والنبي الشهيد، فكانت النتيجة مذهلة وذلك برعاية واهتمام معالي وزير السياحة السيد نايف حميدي الفايز.