كل التحذيرات في العالم تركز على المخاوف من نشوب حرب عالمية ثالثة بسبب الحرب بين روسيا واوكرانيا، هذا على الرغم من ان الحرب العالمية الثالثة بدأت فعلا، بشكل غير مباشر.
نعم الحرب العالمية الثالثة بدأت فعليا، وليس ادل على ذلك من تشكل معسكرين من حيث المبدأ، حيث اوكرانيا ومعها الولايات المتحدة الاميركية، ودول اوروبية، جميعها تقدم المال والسلاح، ومقابلها روسيا التي تقف معها ضمنيا، وفي معسكرها الصين وايران وكوريا الشمالية، حتى لو لم تظهر في مشهد الحرب، خصوصا، ان لكل دولة هنا حساباتها التي تخصها .
العالم يقف على الحافة، وسوف تنقلب الحرب العالمية الثالثة من حرب غير مباشرة، الى مباشرة، عند اول خطأ تكتيكي يرتبكه اي طرف، سواء الروس عبر الاسلحة النووية، او الاسلحة الكيماوية وغير ذلك، واذا كان العالم لا يحتمل اساسا حربا عالمية ثالثة مباشرة، فإنه يخوضها بالمناسبة، في ظل تراجعات اقتصادية عالمية، ترتبط بملفات مثل الركود والتضخم، ومشاكل الطاقة في اوروبا، على مشارف الشتاء، وتوظيف كل الاسلحة الاقتصادية في هذه الحرب.
المنطقة هنا متأثرة بطبيعة الحال، حتى لو كانت بعيدة، إذ إن اخطر مافي هذه الحرب غير المباشرة، يرتبط بعدة قضايا، اولها ضغوطات الدول المتحاربة على دول المنطقة لفرز نفسها على اي معسكر تحديدا، حيث لن يكون مقبولا التوسط، او ادامة العلاقات بشكل متوازن مع الروس والاميركيين بذات الدرجة، وثانيها التأثيرات الاقتصادية الحادة بسبب ارتباط المنطقة بالاقتصاد العالمي، وملفات الفائدة المصرفية، واسعار الطاقة، وسلاسل التوريد، وثالثها الخطر الاكبر المتعلق بإعادة ترسيم الخرائط الجيوسياسية، في ظل احتمالات الهدم واعادة التركيب، ونشوء قوى جديدة على حساب المنطقة، وخروج قوى تقليدية لها تأثيرات على العالم العربي.
هذه حرب عالمية ثالثة غير مباشرة، بطيئة ومتدرجة، لكن الشرارة التي تم اشعالها، تتحول الى حريق اكبر، والمؤكد هنا امرين، اولهما يرتبط بالحسابات التي تقول ان الولايات المتحدة قد تكون في حقيقتها تستهدف اوروبا ايضا، وليس الروس وحسب، من خلال الزج بكل اوروبا في هذه الحرب، بما يحقق هدفين اضعاف الروس والأوروبيين معا، لصالح التفرد الاميركي، وثانيهما ان صبر العالم، والقوى المتحاربة وتحديدا الروس قد لا يدوم طويلا، لأن خوض الحرب الحالية لا ينفي حاجة موسكو الى نهاية سلمية او عسكرية نهاية المطاف، حتى لا تتحول الى حرب استنزاف طويلة المدى، قد لا يحتملها الاقتصاد الروسي، وقد تولد رد فعل سلبي بين المواطنين الروس.
لا يمكن هنا فصل هذه الحرب، عن كونها استباقية من حيث الارهاق الروسي من العقوبات الغربية التي سبقت الحرب، والتي اضيفت اليها سلسلة عقوبات قد لا تكون الاخيرة، والمفارقة هنا ان العالم الغربي يفرض عقوبات جديدة لتدمير روسيا، لكن كلفة العقوبات ترتد عليه، وكأنه يعاقب نفسه ايضا بمعية الروس، وليس ادل على ذلك من التراجعات الاقتصادية في اقتصادات العالم الغربي، وصناعاته، من بريطانيا الى المانيا مرورا بفرنسا والولايات المتحدة، وكأننا في حفل يشنق العالم فيه نفسه بنفسه، وسط تساؤلات عن غياب الوسطاء هنا لإطفاء هذا الحريق.
المشهد ليس سهلا، والتقليل من كلفته لا يبدو عملا راشدا، وكما اشرت فنحن وسط حرب عالمية ثالثة غير مباشرة، تنتظر ساعة الاشارة لتتحول الى حرب عالمية ثالثة تطيح باستقرار العالم، وتضعه امام مصير خطير، لا يعرف احد مآلاته النهائية، في ظل عناد من كل الاطراف على الاستمرار حتى النهاية، دون ضمانة فعلية من احد، على ان نقف عند حدود الحرب الحالية.
هذه ليست مجرد حرب، هذا صراع الامم والمصالح والاقتصادات وترسيم القوة والنفوذ، واعادة رسم الخرائط، ونحن في العالم العربي، سندفع الثمن مرتين، مرة بسبب ضعفنا، ومرة بسبب دفعنا لفواتير غيرنا في هذا العالم، كما جرت العادة، متأثرين غير مؤثرين.
الغد