الأصل أن تتبنى الدولة المشاريع الاقتصادية لأنها مولدة للدخل، أما القيام بمشاريع لامتصاص الدخل وتوليد النفقات بشكل مستمر فسياسة غير حكيمة ولا يجوز لجهة مسؤولة أن تقبلها ناهيك عن الترويج لها وتسويقها.
مؤسسة التمويل الدولية درست مشروع القطار الخفيف بين الزرقاء وعمان؟ وبدلاً من أن تقول بصريح العبارة أن المشروع غير مجدٍ ارتأت أن تصوغ رأيها بطريقة دبلوماسية، فالمشروع، كما تقول المؤسسة، وهي الذراع الاستثماري للبنك الدولي في الدول النامية، يحتاج للدعم السنوي (أي المؤبد) لأن تكلفة تشغيل القطار تزيد عن المستوى المعقول لأجور نقل الركاب، مما يتطلب تحديد الأجور عند مستوى يقل عن الكلفة، على أن تتولى الخزينة العامرة سد النقص سنة بعد أخرى، بحيث يتم إيجاد بند جديد ودائم في جانب النفقات الجارية في الموازنة المثقلة بالديون والعجز، لدعم عمليات القطار الخفيف الذي يجيء لحل أزمة لا وجود لها.
هذا الدعم المالي المستديم يأتي إلى جانب المخصصات الراهنة المرصودة للمشروع والبالغة 60 مليون دينار، تمثل استثماراً ليس له مردود.
الحكومة تفكر بمشاريع بديلة لتقليل الخسائر، مثل تشغيل عربات سريعة التردد بدلاً من القطار الخفيف، الأمر الذي يوحي بأن هناك أزمة انتقال بين الزرقاء وعمان لا تجدي معها وسائل النقل الراهنة، مع أن الأمر ليس كذلك، فالسيارات الخاصة والعمومية والباصات متوفرة ولديها طاقة تزيد عن حاجة الخط وستظل تعمل على الخط لأن القطار لا يستطيع الإحلال محلها.
في ظل سياسة التقشف وتخفيض العجز في الموازنة عن طريق إلغاء وتأجيل المشاريع الرأسمالية، يأتي القطار الخفيف للسير بالاتجاه المعاكس.
في مشروع العطاء الأول للقطار الخفيف تعهدت الحكومة بأن عدد الركاب لن يقل عن 120 ألفاً في اليوم، فإذا قل عن ذلك فإنها تتعهد بدفع ثمن تذاكر المقاعد الفارغة، أي أن المستثمر لا يتحمل أية مخاطر، وأرباحه مضمونة على حساب الخزينة وليس لديه حافز لتسويق المقاعد واجتذاب الركاب.
بعد أن ثبت الآن أن المشروع غير مجدٍ، وأنه سيكون بالوعة وليس رافداً للخزينة، نتمنى أن تطلق الحكومة عليه رصاصة الرحمة، استجابة للمنطق الاقتصادي البسيط.
(الرأي)