كرة القدم الأردنيّة .. هل أضاعت البوصلة؟!
نور الدين نديم
16-10-2022 02:11 PM
في مرحلة التأسيس والانطلاقة لإمارة شرق الأردن عرفنا كرة القدم من خلال أفراد بريطانيين ضمن كادر الجيش العربي آنذاك، ومارسها طلاب المدارس بعد ذلك، ثم انتشرت بين النّاس، ليبدأ بعدها تأسيس الأندية الرياضية، حيث تأسس "نادي الأردن" عام 1928م كأول ناد رياضي في إمارة شرق الأردن واقتصر وقتها على لعبة كرة القدم.
حظيت الرياضة بشكل عام على اهتمام كبير من قبل الملك المؤسس، ثم انتقلت إلى عناية واهتمام الملك الباني ثمّ المعزّز، حيث حظيت على رعاية ملكيّة كبيرة كان للكرة الأردنية الحظ الأوفر منها، فحقق الدّوري الأردني في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني المركز التاسع ضمن أقوى الأندية العربية وفقا لتصنيف الفيفا 2020م.
تعرض الدّوري الأردني لأزمات عديدة تخطّاها بأمان بفضل حكمة الجميع ووعيهم إدارة ومدربين ولاعبين وجمهور، لكن ما تعرضنا له في الأيام الماضية تجاوز أدب الخلاف وفقه المدرجات، حتى وصل بنا إلى فاجعة مقتل طفل في الثانية عشرة من عمره.
فإلى أين نتجه وإلى أين المسير؟! وهل فقد الدّوري الأردني بوصلته، والقدرة على ضبط إتجاهه، وتحقيق غاياته ضمن إطار القيم والثوابت الأردنيّة الأصيلة؟!
أعتقد بأننا بحاجة للعودة لأدب الملاعب وقواعد التشجيع في مرحلة التأسيس، حيث دور الأندية الفاعل في إرشاد الشباب وتوعيتهم والنهوض بهم بتهذيب نفوسهم وصقل مهاراتهم.
وجديرٌ بالذكر هنا كيف أمر المستعمر البريطاني بإغلاق النّادي الفيصلي وذلك في عام 1939م بسبب العمل الوطني الذي كانت تمارسه كشافة النادي بدعم من المسؤولين فيه.
فكانت الأندية تتقدّم العمل بإرشاد الشباب وتوعيتهم، وتتحدّى المستعمر في خلق جيلٍ منتمٍ لوطن حاضنٍ للجميع، وعملت على تشكيل نفسها تشكيلاً مؤسّسيّاً ضمن قواعدَ مرنة حداثيّة، تكاملت مع باقي مؤسسات الدولة حتى بلغنا معاً مرحلة التحرر والاستقلال.
نعم نحن بحاجة إلى العودة لقواعد العمل وفقه الملاعب الذي إستكمل في مرحلة ما بعد الاستقلال بناء الوعي عند الشباب وتحفيز الهمم وسقي الانتماء في نفوسهم، حتى عبرنا بأمانٍ لمرحلة النهضة والبناء ما بعد التأسيس والاستقلال.
إنّني لا أستطيع وأنا أراقب المشهد الكروي في ملاعبنا في السنوات والشهور الماضية إلا أن أتبنّى نظريّة المؤامرة اللتي تسعى (من وجهة نظري) إلى خلق حالة فوضى مجتمعيّة تصرف الشباب عن مسار المشاركة في النهضة والبناء، إلى مسار التشتت والانشغال بمعارك مع ذواتهم للفتّ من عضد الوطن.
ما حدث أخيراً من تشاحنٍ وتجييشٍ وتسبب بمقتل طفل يُعد بمثابة صفعة أيقظتنا ونبّهتنا للخطر الذي يتربّص بنا، ويتوجب علينا جميعاً المسارعة في المراجعة وإعادة تصويب المسار والالتزام بنشر الوعي والتثقيف ضمن إطارنا الوطني.
ولعلنا بحاجة لتشكيل لجنة لتحديث المنظومة الرياضية على قواعد أدب التنافس والاختلاف.
إنّ توحيد الخطاب التعبوي للجمهور والاتفاق على تجاوز ما حدث ضرورة وطنيّة، من أجل مستقبلٍ لشبابنا مُشرقٍ ومُستقلّ، يحفّزهم على المشاركة الفاعلة في حركة البناء الوطني، وإنّ إنصراف الأندية للقيام بواجبها اتجاه الشباب والمجتمع حاجة وطنيّة أيضاً، للمساهمة في نشر ثقافة دولة القانون والمؤسسات، وصقل المواهب وتقديمها للعالم كنموذج أردني نعتز ونفتخر به.
الأردن دولةٌ تستند إلى عمقٍ تاريخيٍّ عريق، وتركيبةٍ قوميّةٍ فريدة، توحدت بعد تاريخها وموروثها المشترك بتجاربٍ متعدّدةّ صهرت كل منابته وأصوله ببوتقة أردنيّة وطنيّةٍ قوميّةٍ خالصة مميزة.
وإنّ أي تجاوز لحالة استهداف نسيجنا المجتمعي وأمننا الوطني لن يكون إلّا بصناعة حالةٍ من الوعي الشعبي أولاً، وهذا لن يحدث إلا إذا انحازت النُّخب المؤثّرة إلى الدولة على قاعدة الالتزام بالقانون واحترام المؤسسات والتحدّثِ بلسان حالها ومنطوقها بعيداً عن الانفعاليّة اللحظية والمصالح الشخصيّة أو المناطقيّة.
سيبقى الأردن أقوى بحكمة قيادته ووعي شعبه، وهذا ما نراهن عليه لتجاوز كل الأزمات بإذن الله تعالى.