لماذا ننساق دائما وراء كثير مما يثار في مواقع التواصل الاجتماعي، ويتم إجبارنا على الخروج لتبرير أمور ليس من الواجب تبريرها؟ لقد تعلمنا جيدا أن التصريحات التبريرية لتوضيح أي قرار لا يمكن لها أن تترك أثرا في المتلقي، ولأسباب عديدة كثر شرحها والحديث عنها بإسهاب.
استمعت مؤخرا، لحديث مدير هيئة تنشيط السياحة الدكتور عبدالرزاق عربيات، وهو يسعى جاهدا لأن تنأى الهيئة عن مسؤولية تنظيم مؤتمر المؤثرين الذي استضافه الأردن في البحر الميت. لم أفهم ما العيب أو العار الذي يمكن تسجيله على الهيئة إن هي قامت بتنظيم مثل هذا اللقاء الضخم أو غيره من الأنشطة التي من شأنها أن تسهم في الجذب السياحي؟!.
لا ألوم الدكتور عربيات، الذي دافع بقوة عن فكرة هذا التجمع ومدى الفائدة التي تعود على المملكة من خلال تنظيمه، لكن لا بد وأن يعتاد الجميع على أن العالم اليوم يختلف كليا عما كان عليه، والجيل الحالي له احتياجاته ومتطلباته التي لا بد وأن تتماشى الدولة مع ما هو إيجابي فيها.
إن الحفلات الغنائية والمؤتمرات والنشاطات السياحية المتنوعة، تعد اليوم رافدا مهما للاقتصاد الأردني، وتساهم أيضا في توفير فرص عمل، وعليه يجب تشجيع هذا التوجه لا قتله في مهده بحجج الجميع يدرك جيدا كم هي واهية وتتناقض مع الواقع الذي نعيشه.
رأينا التحول الإيجابي في أكثر المجتمعات تمسكا بالعادات والتقاليد، ولمسنا كيف استطاع المجتمع السعودي، على سبيل المثال، الانسجام مع مرحلة التحولات الجديدة التي تشهدها المملكة، والانفتاح السريع الذي لم يعتد عليه المجتمع، الذي نشاهده اليوم يحاول التأقلم مع تلك التحولات، وأن يتفاعل معها بإيجابية كبيرة، وأيضا أن يقترح أنساقا تتلاءم مع تلك التحولات. في الأردن خرجنا عن طورنا من أجل حفلة غنائية في العقبة، أو مؤتمر في البحر الميت، وهو أمر غير موضوعي ولا مبرر، إذ علينا التفكير بواقعية كبيرة من أجل أن نعرف مصلحتنا أولا.
اليوم؛ أكثر من نصف سكان العالم يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي (نحو 4 مليارات إنسان في العالم، وفي الأردن وحده 7 ملايين مستخدم)، ويقضي المستخدم العادي أكثر من ساعتين يوميا متصفحا هذه المواقع، والواقع يقول إن من بين كل هؤلاء مئات الآلاف من المؤثرين، الذين يتابع محتواهم مئات الملايين، أي أن هؤلاء يمتلكون مساحة خاصة بهم قادرة على الترويج الصحيح، خصوصا عند فئة الشباب.
عربيات قال في تصريحات صحفية إن التغطية الإعلامية والإعلانية التي حصل عليها الأردن جراء استضافته للمؤتمر تساوي مبلغا ماليا قدره بـ100 مليون دولار، إلى جانب دور الحفلات الغنائية في تسويق الأردن ما يمثل، في حد ذاته، فائدة كبيرة جدا استطاعت المملكة تحقيقها من وراء هذا الحدث. وحتى وإن كان الرقم أقل من ذلك بكثير، فاليوم صورة الأردن ومدنه انتشرت في كل مكان، وبسرعة فائقة ما كانت الهيئة نفسها لتتمكن من تحقيقها، وذلك لضعف الموازنة المخصصة للتسويق. حتى سفاراتنا في الخارج لم تنجح في عكس صورة الأردن الحضارية والترويج للسياحة فيه بقدر ما استطاع هؤلاء تحقيقه.
لا أرى ضررا في أن يكون الأردن قبلة جاذبة للفن والفنانين من كل بقاع العالم، وأن يقام مثل هذا النوع من النشاطات بشكل دوري، أو أن يكون جزءا من محتوى المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، أو أن يكون أيضا نافذة تطل منها المئوية الثانية بمفهومها الجديد، وبهوية جيل له متطلبات ليست كتلك التي كانت لدينا نحن.
الغد