facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




نحو نموذج عربي لقياس القوة السيبرانية


خالد وليد محمود
16-10-2022 12:11 AM

المسألة لم تعد خيالاً، فالبشرية تعيش على أعتاب الثورة الصناعية الخامسة التي ستركز على دمج التكنولوجيا الحديثة مع الذكاء البشري بشكل أكثر فاعليةً ممّا كانت عليه في الثورة الصناعية الرابعة، حيث يتوقع الباحثون أن تشهد هذه المرحلة تحولاً رقمياً في الكثير من المجالات، مرتكزة في ذلك على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة وكيفية توظيفهما بشكل متوازن جنباً إلى جنب مع الإمكانيات البشرية في مجالات مختلفة بالاعتماد على تقنيات الاتصالات للجيلين الخامس والسادس.

والفضاء السيبراني أيضاً لم يعد كذلك كما ظهر في روايات الخيال العلمي في ثمانينيات القرن الماضي، فلم يعد بإمكان أي دولة تقيس مكانتها وإمكانياتها كقوة ذات نفوذ بالاعتماد على عناصر القوة التقليدية فقط؛ إذ باتت تحتم المعطيات امتلاك الدول لقدراتها في المجال السيبراني، التي أزاحت العديد من عناصر القوة التقليدية من مكانها، فلن يعد إمتلاك الدول للأموال، والثروات، والقدرات العسكرية والجغرافيا الشاسعة وكثرة السكان لم يعد كافياً لبلورة دورها كقوة فاعلة ومؤثرة وذات نفوذ في السياسات العالمية. اليوم تسعى كثير من الدول للحصول على القوة الإلكترونية، وهذه الأخيرة أصبحت تأخذ شكلاً جديداً في طبيعتها ووسائلها وأدواتها ومعطياتها ومؤشراتها، وبتنا نرى اليوم كيف أصبح الصراع الدولي يتّجه بالأساس نحو المغالبة والتنافس في ساحة الإنجازات التكنولوجية التي غيرت من شكل النزاعات والحروب وأدواتها وأثرت على الفاعلين بها، وساهمت في إعادة التفكير في حركية وديناميكية الصراع.

مؤخراً صدر عن مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بجامعة هارفارد مؤشره الوطني المحدّث للقوة السييرانية لعام 2022 والذي يُختصر بـــ (NCPI) ، وهو متابعة لمؤشره الذي سبق في عام 2020 حيث يصنف 30 دولة وفقاً لقدراتها وإمكانياتها السيبرانية ويتكون من 29 مؤشرًا ، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية، وقوانين حماية البيانات، والمعايير الفنية وحوكمة الإنترنت، والبحوث الإلكترونية، والجرائم الإلكترونية ، والإنفاذ، واستخدام المعرفة المتاحة للجمهور عن القدرات الإلكترونية. ويتم تقييم هذه المؤشرات عبر ثمانية أهداف تتلخص بالآتي: القدرة المالية ، والمراقبة ، والاستخبارات ، والتجارة، والدفاع ،ومراقبة المعلومات، والتدمير، والمعايير. يقيس هذا نطاقاً واسعاً من نوايا الدولة وقدرتها في الحرب الإلكترونية والدفاع لتأثير الدولة في وضع القواعد والمعايير الفنية الدولية.

ترتيب الدول القوية سيبرانياً حسب مؤشر القوة الإلكترونية الوطنية للعام 2022 جاءت كالآتي: الولايات المتحدة الأميركية، الصين، روسيا، المملكة المتحدة ، أستراليا، هولندا، كوريا، فيتنام، فرنسا، وفي المرتبة العاشرة إيران.

يتضح من الأرقام والمعطيات الواردة في المؤشر تقدّم روسيا على بريطانيا في المركز الثالث، بينما بقيت الصين في المرتبة الثانية، وقفزت أستراليا من المرتبة العاشرة في عام 2020 إلى المرتبة الخامسة في مؤشر هذا العام 2022؛ بينما تراجعت فرنسا ثلاث مرات من المركز السادس إلى التاسع. وسقطت ألمانيا وكندا واليابان من بين العشرة الأوائل. وكانت كوريا قد انتقلت إلى المراكز العشرة الأولى، حيث احتلت المركز السابع بعد أن كانت في المركز السادس عشر؛ أما فيتنام فانتقلت إلى المركز التاسع، من المرتبة الثامنة عشرة؛ وإيران إلى المرتبة العاشرة بعد أن كانت في المرتبة الثانية والعشرين. والجدير ملاحظته أنه في تصنيف 2022، جاءت أوكرانيا في المرتبة 12 بعد أن حققت قفزة هائلة من المرتبة 29 في عام 2020 ويبدو أن الحرب في أوكرانيا ساهمت في زيادة المواقف لكل من روسيا وأوكرانيا وأدت إلى صعود روسيا وتفوقها على المملكة المتحدة في التصنيف العالمي.

أحد أهم العناصر الرئيسية التي أشار إليها التقرير هو أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تتربع على رأس القائمة الأقوى من حيث امتلاكها القوة السيبرانية، وقد احتلت مكانة بارزة لا مثيل لها في شؤون الفضاء السيبراني العالمية خلال الأعوام السابقة، ولطالما احتفظت واشنطن بتفوقٍ واضح على جميع البلدان الأخرى من حيث قدراتها في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقد كانت الهيمنة على الفضاء السيبراني هدفاً استراتيجياً للولايات المتحدة منذ منتصف التسعينيات؛ وهي الدولة الوحيدة التي لها بصمة عالمية بارزة في كل من الاستخدامات المدنية والعسكرية للفضاء السيبراني، على الرغم من أنها تعتبر نفسها الآن مهددة في هذا المجال بشكل خطير من قِبل الصين وروسيا.

هذا وعلى الرغم من أن القوة السيبرانية تساهم في تعظيم النفوذ والقدرات الاقتصادية والدفاعية والعسكرية والأمنية العالمية إلا أن هذه القدرات غير متفق حتى الآن على سبل ونماذج عالمية لتقييمها بشكل فعّال كما هو الحال بالنسبة لنماذج ومؤشرات قياس القوة الصلبة. بعض مراكز التفكير العالمية طرقت باب البحث في القدرات السيبرانية للدول وكيفية قياسها وتصنيفها مثل (أداة تقييم بناء القدرات التي وضعها البنك الدولي لمكافحة الجريمة السيبرانية، والتقرير السنوي حول النضح السيبراني الذي يصدر عن المعهد الأسترالي للسياسات الاستراتيجية، والرقم القياسي للتأهب السيبراني الذي يصدر عن معهد بوتوماك لدراسة السياسات العامة، وحتى نموذج نضج قدرات الأمن السيبراني الذي يصدر عن المركز العالمي لقدرات الامن السيبراني بجامعة أكسفورد، والرقم القياسي العالمي للأمن السيبراني الذي يصدر عن الاتحاد الدولي للاتصالات، وكذلك إطار تقييم القدرات الوطنية الذي يصدر عن وكالة الاتحاد الأوروبي المعنية بالأمن السيبراني)، وفي ظني أن نموذج مركز بلفر للقوة الإلكترونية الذي أشرنا إليه سابقاً هو النموذج الأكثر شمولية وأفضلها حتى الآن لقياس القدرات السيبرانية للدول.

ما تتفق عليه معظم هذه النماذج رغم ضبابية المشهد السيبراني هو ترتيب الولايات المتحدة الأمريكية ووضعها على رأس الهرم لتحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم كدولة تتمتع بنقاط قوة رائدة في الفضاء السيبراني، حيث تمتلك قدرات هجومية أكثر تطوراً من قدرات أي بلد آخر، بالإضافة لجميع الأسس الرئيسة من حيث قدرة استخبارات سيبرانية عالية الجودة وقيادة "تحالف العيون الخمس الاستخباراتي" المتقدم تقنياً؛ وقاعدة أكاديمية وصناعية سيبرانية قوية.

ترتيباً على ما سبق، باتت القدرات السيبرانية مجالاً مهماً لممارسة النفوذ وتحقيق التفوق والتنافس الدولي، فلم تعد ترسانات الأسلحة التقليدية هي المعيار الأساس والوحيد لقياس القوة بعد الثورة المعلوماتية، وهذا يتطلب من الخبراء والدول (خاصة العربية المتأخرة في هذا المضمار) البحث عن نماذج لقياس مؤشرات القدرات السيبرانية وتصنيفها كما هو الحال في مراكز التفكير الغربية، لأن بناء أدوات تقيس قدرات القوة الإلكترونية بات حاجة ملحّة تساهم في فهم هذا المجال البالغ الأهمية لتحسين الاستراتيجيات الوطنية والسياسات الإلكترونية للدول، في ظل تصاعد المواجهة الدولية في فضاء أصبح جزءاً من التفاعلات الدولية بعد أن توسعت وازدادت معدلات التهديدات وتزايدت الهجمات الإلكترونية بشكل كبير.

* باحث دكتوراة في العلوم السياسية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :