العالم الافتراضي والسياسة
عدي مزهر
15-10-2022 12:51 AM
شهدنا في قضايا عديدة تأثير حملات مواقع التواصل الاجتماعي في تسليط الضوء على قضايا معينة، ساهمت أكثرها في لفت الانتباه بشكل أساسي، وهذا ما شهدناه في قضية "بلاك لايف ماتر" عام ٢٠١٣ وأحداث العنف في ميانمار وهونغ كونغ وغيرها، أو ما نشهده حالياً في ظل الاحداث الاخيرة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والذي يعد بحسب محللين الاعنف منذ عام ٢٠١٤.
أصبحت وسائل التواصل مصدراً لتداول المعلومات ومقاطع الفيديو والأحداث الآنية من قبل المدنيين أنفسهم بالإضافة لكونها منصة لتوثيق عمليات العنف والتهجير والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني من خلال "هاشتاقات" تصدرت مواقع التواصل عالمياً، فأصبح الشعب الفلسطيني هو الإعلام.
في الآونة الأخيرة، بدأت موجة غضب عالمية على مواقع التواصل، أحدثت حملات شعبية وصل صداها للعالم أجمع، وهدفها توعية الناس بالقضية الفلسطينية، فقامت على أثرها مظاهرات حول العالم ساندها عدد كبير من النجوم والأندية العالمية، وعدد من اليهود والإسرائيليين غير المتطرفين، في حملة تضامن مع الشعب الفلسطيني وادانة للعنف والانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني.
أما بعد حادثة حظر عدة منصات للمنشورات و"الهاشتاقات" الداعمة للفلسطينيين التي دفعت برئيس منصة "انستغرام" للاعتذار رسمياً والتبرير بأنها "مشكلة تقنية عالمية" لا تتعلق بهذه الأحداث على وجه الخصوص، وهو ما لم يرض عنه الكثير من مستخدمي هذه المنصة باعتبار هذا الأمر قمعاً متعمداً لأصواتهم وحقهم في الرأي التعبير، ونشر معاناتهم، بل هو محاولة للتحكم في سرد الاحداث وتزييفها.
وللعالم الافتراضي تأثير سلبي أيضاً لا يمكن انكاره، ففي كثير من الأحيان يتم تداول معلومات غير موثقة بمصادر، أو أخبار ملفقة ومشاهد قديمة يتم بثها بتواريخ خاطئة، سواء من أشخاص أو مؤسسات بهدف التشويش وإحداث زعزعة لأغراض مختلفة، أو أن تتحول هذه المنصات إلى ما يشّبه بساحة حرب افتراضية بين أطراف تنازع مختلفة.
وفي بعض الاحيان يدفع تأثير ما إلى عواقب أكثر حدة، تماما مثل الحظر الدائم لحساب الرئيس السابق "دونالد ترامب" على منصة تويتر، بسبب آرائه المثيرة للجدل، والتي دفعت أنصاره إلى اقتحام مبنى الكابيتول الأميركي في بداية عام ٢٠٢١، فبحسب تويتر فإن حساب ترامب "انتهك قواعد المنصة".
ورغم أن حملات مواقع التواصل لم تغير في أي من السياسات الحكومية الجذرية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية حتى الآن إلا أنها أثرت بشكل واضح على الرأي العام عالميا وأثارت ردود فعل عالمية ترفض الموقف الإسرائيلي، وخصوصا من المشرعين والسياسيين، كما أنها دفعت بالمحكمة العليا الإسرائيلية في بداية الاحداث إلى تأجيل قضية إخلاء عائلات فلسطينية لمنزلها في "حي الشيخ جراح"، كما اتخذت متاجر شهيرة عديدة في الشرق الاوسط خطوات فورية لإزالة علامات تجارية مثل "كالت غايا" بسبب التصعيد الحالي للأحداث.
ومن هنا يبرز الدور الهام لمدى تأثير هذا العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي في احداث تغييرات سياسية حقيقية على أرض الواقع.