هي بالفعل كذلك، وبكل ما تحمل الكلمة من معنى، تلك المبادرة التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني، خلال زيارته نهاية الأسبوع إلى البادية الجنوبية، يرافقه سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، وخلاصتها “تخصيص 9 آلاف دونم للأسر في البوادي الثلاث على مراحل بهدف إقامة مشروعات زراعية”.
المبادرة تحمل في طياتها فرصا واعدة كثيرة، وتكمن قوتها في أنها تلبي التطلعات في العديد من المناحي التي تصب مباشرة في مصلحة الوطن والمواطن في مناطق البادية الواسعة.
ومنها أنها تشكل أداة عملية بيد الدولة، إذا ما تم تعميم التجربة، لمحاربة البطالة، والتي تصل إلى أرقام مزعجة تتجاوز 22 بالمائة، وبالتالي تفاقم مشاكل الفقر، خصوصا في المناطق النائية والبعيدة عن المدن وخدماتها.
ومنها أنها تأتي ضمن القطاعات التي يتقنها العديد من أبناء وبنات الوطن “أبا عن جد”، وهي الزراعة، وبذلك يكون الإقبال على العمل بها أكثر من غيرها مع مردود اقتصادي سريع الأثر ومتجدد في حياة الناس.
ومنها أنها تصب في المصلحة الوطنية العليا من خلال تعزيز الأمن الغذائي، عبر إطلاق مشاريع زراعية استثمارية نوعية، تعزز من توفر السلع الزراعية ذات الأهمية الاستراتيجية للدولة، وهو أمر غاية في الأهمية مع ما شهده العالم من تعثر لسلاسل التوريد خلال وباء كورونا في الماضي القريب، وخلال ما نراه اليوم مع استعار الحرب الروسية الأوكرانية.
ومنها أن الاستثمار في الزراعة هو استثمار مهم لتعزيز الصادرات الزراعية الأردنية إلى دول الجوار والعالم، خصوصا وأن السلع الزراعية الأردنية تحظى بسمعة مرموقة من حيث النوعية ومطابقتها للمواصفات.
ومنها أن المشاريع الزراعية، في مجملها، قادرة على توليد مشاريع إنتاجية أخرى وخدمية لسكان البوادي ذات قيمة مضافة إذا ما تم حسن إدارتها وتخصيص الموارد لها.
الفوائد عديدة للمبادرة، ولذلك كله، فهناك حاجة حقيقية لتكاتف جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية في مناطق البادية لدعمها ونجاحها حتى تصبح حقيقة على الأرض يجني سكان البوادي نتائجها.
وعند التخطيط والتنفيذ، فلا بد من ضمان الاستخدام الأمثل لموارد المياه في مناطق البادية، ذلك أن الأردن من الدول الخمس الأفقر مائيا على مستوى العالم، وبالتالي اختيار المشاريع الزراعية القادرة على توفير المياه والنجاح في التسويق لمنتجاتها.
لا يوجد استثمار في الأرض يتجدد كل عام أنجع، كما هو الاستثمار في حراثتها وزراعتها. ولذلك، فقد جاءت المبادرة لتحي الآمال بغد أفضل لمناطق البادية الأردنية، التي تشكل 90 بالمائة من مساحة الوطن، أساسه تخضير الأرض لمنفعة البلاد والعباد.
ليكن كنز الأردن في باديته من خلال الاستغلال الأمثل لها. وها هي المبادرة الملكية تطلق العنان لما قد يكون بداية لاستثمار صحرائنا وقلبها خضراء مزدهرة.
ولنتذكر أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة. ونحن لا تنقصنا العقول أو الإرادة أو الإمكانات. وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ.
الغد