منذ أيام، وجوانب شوارعنا وأواسطها أصبحت مملؤة بصور باسمة جميلة أنيقة، بعضها تلتفت نحو الشمال وبعضها نحو اليمين وبعضها تتابع المارين حتى يغيبوا عن ناظرها. وحول كل صورة هالة من العبارات لا معنى كثير فيها، إمّا لأنها فوق مستوى إدراكنا أو لكونها تتجاوز مستوى فهمنا. فماذا يُقصد، مثلاً، بالوطن للجميع، أو اجعل صوتك مدوّياً، أو دعونا نذهب إلى "الإصلاح"، أو "بلا شعارات".
سيدنا نادى بالصوت العالي على المواطن ليكون مواطناً مسؤولاً، والحكومة لم تترك مفردة إلا واستعملتها داعية الناخبين لأن يمارسوا مواطنتهم بكل جديّة، إلا أنها لم تقل، ولن تقول، إن على المرشح أن يعلن عن برنامجه الانتخابي لأن ذلك ليس من واجبها، بل من واجب المرشح الذي سيجلس تحت القبّة الشهر القادم ليتحدث باسمنا، وينقل همّنا ويوصل صوتنا إلى صاحب القرار.
لقد اعتدنا أن نرى المرشّح كثيراً خلال الأيام الأولى من العملية الانتخابية، ثم ينقطعون عنا حتى الدورة القادمة بحيث لا نعود نسمعهم ولا نراهم إلاّ على شاشات التلفزيون، ولا نقرأهم إلا على صفحات الجرائد إلى أن يحين موعد ترشّحهم مرة ثانية.
في الدول المتقدمة يظل النائب على اتصال مستمر ودائم مع أفراد قاعدته الشعبية، يشاورهم ويستطلع آراءهم ويطلعهم على تطورات الأحداث، ويسألهم عن رأيهم، ويلتزم لهم بما يرون وبما يشيرون، إلا عندنا فإن النائب يظن أن مجرد وصوله إلى المقعد النيابي يعني تفويضاً مطلقاً يغدو معه مالكاً للقرار منفرداً، دون شريك، وذلك لأنه يؤمن أنه أصبح هو ولي الأمر لا ينازعه فيه أحد.
المرشّح يُقدم لنا في ليلة ما، قبل الذهاب إلى الصندوق، صَحْناً من "الكنافة"، ثم لا نذوق بعده حلواً أو مُرّاً، لذلك اقترحت سابقاً لو أن الحكومة تجعل الانتخابات كل سنة حتى نحصل على أربعة صحون بدلاً من واحد. لأن هذا كل الذي نحصّله من كل العملية الانتخابية.
اسكن الله في قلوب مرشّحينا محبتهم لنا، حتى تبقى الجسور قائمة بيننا، وإلا فإننا سنجد أنفسنا في وادي، وهم في وادي آخر. هم يغنّون على ليلاهم، ونحن نلطم الخدود لأننا اخترناهم، وسنظل على هذا الحال طوال عمرنا.
النائب الذي نريد، هو نائب وطن يتحدث عن همومه وعن قضاياه، وليس ذلك النائب الذي يظل طوال عمره النيابي ينظر في المرآة فلا يرى إلا نفسه، ولا يفيق إلا بعد أن ينتهي المجلس فيجد نفسه محشوراً في زاوية الترويج والدعاية مرة ثانية، وكل المطلوب حينها تقديم صحناً من "الكنافة" مرة أخرى.