لبنان ومعادلة "رابح - رابح"
د. حازم قشوع
13-10-2022 12:01 PM
نجحت فرنسا بدعم من الولايات المتحدة بانجاز اتفاقية امنية بحلة اقتصادية لبنانية اسرائيلية، هو ما تم انجازه قبل اسابيع من موعد الانتخابات الاسرائيلية لاعطاء الزخم الشعبي لتيار لابيد الحاكم، ووفقا لهذه الاتفاقية تكون اسرائيل قد حصنت حدودها الشمالية مع لبنان / حزب الله واخذ كامل حصتها من الباطن عبر شركة توتال الفرنسية التي ستقوم بعملية الاستخراج والتصدير وتكون لبنان في المقابل قد حصلت على ما تريد من دعم سياسي يرفع ان كاهلها العزلة الاقتصادية والدبلوماسية المفروضة عليها.
معادلة رابح - رابح بالاتفاق اللبناني الاسرائيلي لم تقتصر على الجوانب البينية بل جاءت باطار اشمل عندما حققت للولايات المتحدة ما تريده ان ترسله من رسائل ضمنية للمعنين في اوبك بعد موقفها القاضي بخفض الانتاج النفطي وهو ما فهم بالجانب السياسي انحياز لروسيا، كما عملت هذه الاتفاقية الامنية على تحصين لبنان من التجاذبات الضمنية في الساحة السورية عبر فرنسا ما يجعلها بمنأى عن النظام السوري والتمدد الروسي، وهذا ما يعني دخول لبنان بكل اركانه في معادلة توافقية جديدة منظمة فرنسيا ومؤيدة امريكيا ومتوافق عليها اقليميا .
وهي الجملة التي قد تفهم بسياق معادلة جديدة، فتقوم بتقريب المسافة بين ايران واسرائيل من بوابة الساحة اللبنانية وتعمل ايضا على عزل سوريا وحصار القوات الروسية ضمن جغرافيا سياسية ضيقة عن طريق قطع شريان الربط الايراني اليها وهذا ما سيجعل من سوريا جزء كما أوكرانيا اساس من تلك التقسيمات التي يتم التوافق عليها بين الولايات المتحدة وروسيا وذلك لانتهاء مرحلة رسم حدود النفوذ الجديدة التي يتم التوافق عليها بما يعرف استخباريا ب (بول الاسد) .
وبموجب اتفاقية رابح-رابح الامنية تكون فرنسا قد حازت على مخزون استراتيجي من الغاز يجعلها آمنة في سد احتياجاتها الاساسية من الطاقة وليست بحاجة للغاز الروسي الذي تم قطعه عن اوروبا نتيجة حالة الاعطاب التي اصابت الانابيب الناقلة الروسية الاوروبية كما سيمكن فرنسا من اعادة نفوذها الاستراتيجي في لبنان التي تعتبرها فرنسا البوابة الرئيسية اليها في الشرق الاوسط .
وأما الولايات المتحدة التي سارع رئيسها جو بايدن بالاتصال مع الرئيس ميشيل عون بالتهنئة واكد دعمه للرئيس عون وعزز مكانته كان قد اجرى اتصالا مماثلا مع رئيس الحكومة الاسرائيلية لابيد للتهنئة بهذا الانجاز وهذا ما يجعله يحصل على دعم اضافي من قبل اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة في الانتخابات النصفية القادمة بعد ان قام مهندس الصفقة المبعوث الامريكي هوكشتاين اليهودي الاصل بترتيب فصولها مع رئيس المجلس القومي الاسرائيلي ايال حولاتا الذي قام بدوره بفرض ايقاع تمريرها على الكنيست بصيغة (للعلم ) في سابقة هي الأولى من نوعها في اسرائيل الديمقراطية وهذا ما يؤكد ان الحزب الديمقراطي سيحصل على تأييد كبير من اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة .
غاز كريش وحقوله الرافدة الذي تقدر قيمته ب25 تيرليون دولار سيبدأ بالضخ الفعلي قبل الانتخابات الاسرائيلية والرئاسية اللبنانية وهذا يعني ان الاتفاق الذي حصل على تأييد علني من زعيم حزب الله حسن نصرالله سيقوم بتغيير مسارات الاحداث في الداخل اللبناني بما بذلك هضم مركب حزب الله في الصياغات الجديدة وهو ما يعني ان معادلة رابح - رابح قد حققت منافعها بكل تشعباتها الجيوسياسية والامنية والاقتصادية والمعيشية وجعلت من لبنان امام منطلق جديد لكن بحلة توافقات جديدة تبعده عن سياقاته النمطية السابقة وتدخله في معادلة تصالحية اخرى وهي في طياتها اقرب للجناح الغربي من مدخل البوابة الفرنسية .