الأسئلة تتراكم حول القضية الفلسطينية المثقلة بالأسى والجروح المؤلمة، منذ نكبة 1948، كانت السعودية ومصر والأردن وسوريا معنية منذ بداية النزاع العربي - الإسرائيلي بالبحث عن أجوبة، بعضها كان مقنعاً وآخر كان مؤلماً. اندلعت الأسئلة منذ قرار تقسيم فلسطين، وهو الاسم الذي أُطلق على قرار الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة رقم 181 الذي صدر بتاريخ 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947 بعد التصويت (33 صوتاً مؤيداً، 13 ضد، 10 امتنعوا عن التصويت)، ويتبنّى القرار خطة تقسيم فلسطين، القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة؛ جزء عربي وآخر يهودي والثالث تحت الوصاية الدولية ويشمل القدس وبيت لحم. سؤال ملح: لماذا اعترض العرب على قرار التقسيم الأممي، بل زادوا على ذلك إعلان الحرب في شهر مايو (أيار) 1948 ضد الميليشيات اليهودية المسلحة في فلسطين والتي تشكّلت من البلماخ والإرغون والهاغاناه والشتيرن والمتطوعين اليهود من خارج حدود الانتداب البريطاني على فلسطين. الهزيمة كانت مدوية وخسر العرب أرضاً إضافية، ونقاطاً تفاوضية لا تعوَّض!.
اليوم المأزق السياسي الإسرائيلي يواجه تحديات ثلاثة؛ الأول مأساوي وهو بقاء دولة إسرائيل دولة أبارتهيد (عنصرية) مما يعرّضها لهجوم شرس من المجتمع الدولي ومن الداخل الإسرائيلي نفسه. التحدي الثاني، دولة واحدة يتعايش فيها العرب واليهود بحقوق وواجبات متساوية. وستميل الكفة في نهاية المطاف للعرب لتفوقهم الديموغرافي. التحدي الثالث؛ القبول بحل الدولتين، هو حل مقترح للنزاع العربي - الإسرائيلي يقوم على تراجع العرب عن مطلب تحرير كامل فلسطين وعن حل الدولة الواحدة، ويقوم هذا الحل على أساس دولتين في فلسطين التاريخية تعيشان جنباً إلى جنب، هما دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل، وهو ما تم إقراره في قرار مجلس الأمن 242 بعد حرب 1967 وسيطرة إسرائيل على باقي أراضي فلسطين. قدمت المملكة العربية السعودية مبادرتين للسلام في هذا الإطار (حل الدولتين)، الأولى تعرف باسم عرابها الملك فهد بن عبد العزيز (رحمه الله) واعتمدها العرب في قمة فاس عام 1981، والثانية باسم الملك عبد الله بن عبد العزيز (رحمه الله) واعتمدها العرب أيضاً في قمة بيروت عام 2002.
وهو خيار مطروح ومقبول من جميع الأطراف ما عدا إسرائيل! التي تتجه إلى إلغاء حل الدولتين وتجاهل «الحقوق الفلسطينية» مع تزايد عدد المستوطنين إلى 700 ألف، وهو رقم تراهن سلطات الاحتلال الإسرائيلية على زيادته لتحقيق تفوق ديموغرافي نسبياً في بعض المناطق. السياسات الإسرائيلية التي تنزع أي فرصة تَلوح لتحقيق سلام يُفضي إلى إقامة دولة فلسطينية، على الأراضي المحتلة عام 1967 سيؤدي في نهاية المطاف إلى انسداد الأفق السياسي وما يتبعه من صدامات في الشارع لا تريدها إسرائيل وتخشاها أيضاً (مثل الانتفاضتين الأولى 1993 والثانية 2000).
الجانب الفلسطيني يتابع المشهد الإسرائيلي وتحدياته الثلاثة بهدوء لافت ترف الوقت من صالحه والانتظار يكسبه الثقة والمصداقية. الانقسام الفلسطيني يشوه المصداقية ويقوضها! علاوة على أزمة الشرعية إثر تعطل الانتخابات الرئاسية والتشريعية. مؤخراً ظهرت أصوات إسرائيلية للتعامل مع «حماس» - غزة بديلاً سياسياً، والمضي قدماً لفصل مستمر ونهائي لغزة عن الضفة الغربية. جهود الوساطة للمّ الشمل الفلسطيني تراوح مكانها وغالباً تتراجع بسبب تعنت «حماس» المدعومة من جهات خارجية تقودها طهران وتحتفل بالانقسام الفلسطيني الذي يصبّ في مصالحها المنشودة دائماً لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. صوت العقل يحاكي الضمير الفلسطيني المنهك بهموم الاحتلال وهواجس المصير، يمثله الرئيس محمود عباس. وعلى نظيره الإسرائيلي سماعه والتجاوب معه قبل فوات الأوان! ولا يخفى على المتابع وجود صوت داخل مؤسسات الحكم الإسرائيلي يطالب بإلحاح بإيجاد حل يلبّي طموحات الشعب الفلسطيني المشروعة.
هل تستحق أرض فلسطين العربية ومفهوم «الحقوق الفلسطينية» التي كفلها القانون الدولي، كل هذه التضحيات؟ سؤال يبحث عن إجابة قابلة للتنفيذ.
(الشرق الأوسط)