أحترم التاريخ، وأنتشي حين أقرأ تفاصيل الانتصار والعبور في حرب أكتوبر عام 1973، لكن ما فائدة كل هذا الانتصار والحال على ما هو عليه، بل هو أسوأ؟
المعركة الحقيقية ليست عسكرية، هكذا يثبت لنا التاريخ ممتدا إلى الواقع الذي نعيشه، فماذا بعد العبور، وتحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وتمريغ أنف إسرائيل في الأرض، وكل القصص الموثقة عن موشي دايان وانكساره؟ النتيجة على لوحة النتائج العربية، هي صفر مطلق!!
على مدار أيام، تابعت أغلب الفضائيات العربية، ومررت –مرورا لا أكثر- على ساعات بث فضائي طويلة من ندوات ومقابلات وحوارات وتقارير ووثائقيات كلها تتحدث عن يوم العبور! عبور إلى ماذا بالضبط؟ ونحن لم نعبر حتى الخط الفاصل بين أمسنا ويومنا، وما زلنا نعيش خيباتنا التي تتضاعف يوميا مرسومة على شكل هزائم وتنازلات وقتلى ودم مسفوح مجانا.
كل الإجلال لكل من قضى من أجل النصر في ذلك اليوم، والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار في كل معاركنا التي انتصرنا بها أو لم ننتصر، فهؤلاء هم حالة الصدق الوحيدة والذين استطاعوا العبور فعلا، لكن ماذا عمن تبقى من أحياء بعدهم؟ جيلا بعد جيل من تركيب الهزيمة، والتفنن في هندستها بشكل يجعل تفكيكها في نفوسنا حالة معقدة.
كانت المشكلة، جرح هزيمة 1967، والتي نصر بكل مكابرة واهمة وغير منطقية على تسميتها بالنكسة، كأننا بتلك التسمية نغير وقائع التاريخ، وكانت المشكلة على أرض الميدان يومها ثغرة الدفرسوار، وقد اخترقناها ونحن مخترقون أصلا بثغرات الجهل والعمى السياسي والتقاليد البالية، وإنشائيات لزوم ما لا يلزم.
كانت المشكلة يومها كل ما سبق ذكره، حسب رؤيتنا للأحداث، لكن المشكلة اليوم أكثر خطورة، وأكبر حجما وتعقيدا، فإسرائيل التي نتوسلها بقبول سلام منقوص الحقوق، تصر على يهودية الدولة، والعالم يصفق لها ويؤنبنا.
عبرنا خط بارليف، وبارليف نفسه مات وغادر الدنيا، والخط الذي عبرناه صار موضوع إنشاء لا أكثر، لكن كم مرة عبرتنا إسرائيل منذ ذلك اليوم حتى اليوم؟
لا جدوى!!، هي خلاصة الحال ومحصلة تراكم الوقائع، ما دمنا ندور في نفس دائرة الطباشير التي رسمناها حول أنفسنا لنعتقد أنها العالم كله!
سؤال مطروح برسم الوجع! عبرنا الخط، نعم، وانتصرنا «يومها» ، بلاشك! لكن ما الفائدة إذا كنا لا نزال عاجزين عن عبور ذلك اليوم إلى اليوم؟
Malik_athamneh@hotmail.com
الرأي