ثمة مساران لفهم قرار منظمة الدول المنتجة للنفط خفض الانتاج بمعدل مليوني برميل يوميا؛ اطار فني وآخر سياسي. أميل للقناعة ان هناك مبالغة بتسييس القرار، والافضل فهمه ضمن اطاره الفني، والخلافات السياسية، وان كانت موجودة، فهي لم تقترب من ان تصبح تعارضا استراتيجيا او مواجهة، فدول الخليج ما زالت صديقة وحليفة للغرب، وان كانت تختلف معه في عدة ملفات.
الاطار الفني يفضي للفهم ان النفط تتحدد اسعاره ضمن آلية العرض والطلب، وان المنتجين يريدون اسعارا مرتفعة ليحققوا ارباحا، ولكن تلك الارباح يجب ان تبقى بحدود المائة دولار، لان تجاوز ذلك سيؤدي لركود اقتصادي على المدى المتوسط، ما سيحدث اضطرابا في اسعار النفط وانخفاضها لاحقا.
المنتجون يريدون اسعار نفط تتراوح ما بين السبعين والمائة دولار، حتى لا يخسروا بحسب تكلفة الانتاج، وحتى يحققوا ارباحا معقولة تعود بالمال على موازنات دولهم. اما المستهلكون، واهمهم الدول الصناعية، فيسعون دائما لاسعار نفط اقل، ذلك ان الاسعار المنخفضة تقلل تكلفة الانتاج وتزيد من قدرة المنافسة، وفي معرض ذلك يحاولون عقد اتفاقات طويلة المدى مع المنتجين لتجنب اي اضطرابات في سوق النفط العالمي، ويحاولون ايضا ايجاد بدائل للنفط الخام، وقد قطعوا اشواطا بذلك، الا ان النفط ما يزال المصدر الاساسي للطاقة للاقتصاد العالمي، وبدائله ما زالت عاجزة عن سد رمق الاقتصاد العالمي او اشباعه. القرار الاخير لاوبك بلس تدافع عنه المنظمة انه ضروري، في ظل التوقعات شبه المؤكدة بركود اقتصادي عالمي قادم، عطفا على معدلات التضخم وما تبعها من رفع اسعار الفائدة لمستويات قياسية، والركود المتوقع معناه انخفاض اسعار النفط تحت سقف السبعين دولارا، وربما تصل لحدود الاربعين دولارا، وهذا مضر ومؤذ للمنتجين، لذلك فهم يقررون خفض الانتاج الان، لعلمهم ان اسعار النفط ستنهار في ضوء الركود المتوقع.
المسار السياسي لفهم القرار وتداعياته اعقد بكثير. فالموقف الرسمي الامريكي متزن، اما غير الرسمي، فقد تحول الامر في الولايات المتحدة لجزء من الحملات لانتخابات الكونغرس النصفية القريبة، بين قلة من الجمهوريين يتهمون ادارة بايدن بالضعف مع السعودية والخليج المنتج للنفط، وقلة من الديمقراطيين يطالبون بايدن بسحب القوات من الخليج، ليعلم ان امنه مهدد اذا لم يحترم التحالف مع امريكا. تناسى هؤلاء – القلة في الواقع – ان اعادة التموضع الامريكي خارج الشرق الاوسط، وعدم الالتزام باعتبار تهديدات اذرع ايران كأنها تهديدات من ايران، سياسة ديمقراطية وجمهورية مارسها اوباما وترامب، وبايدن وان بدرجة اقل، ونسوا ايضا، ان الاتفاق النووي مع ايران تجاهل رأي ومصالح دول المنطقة. ثمة اجواء سلبية وضبابية بسبب ذلك بكل تأكيد، ولكن العلاقة بين امريكا والخليج ما تزال عميقة واستراتيجية، تربطهم مصالح اكثر بكثير مما يفرقهم او يختلفون عليه، وامريكا والخليج يعلمون حاجتهم لبعضهم، وضرورة حل خلافاتهم ومنعها من التمدد، وضمن هذا الفهم، كان اهم ما قاله بايدن عندما زار الخليج، ان هناك حاجة لاعادة النظر بإعادة التموضع الامريكي بعيدا عن الخليج، فالشراكة والعلاقات مع الخليج، والمصالح والاهمية والمتبادلة، لا تزال عميقة واستراتيجية.
(الغد)