إدارة موارد الدولة الاقتصادية بين التجربة والواقع
محمد زعل الخريسات
11-10-2022 02:26 PM
إن عناصر القوة والضعف في اقتصاديات اي دولة في العالم تعتمد على التخطيط السليم للاستخدام الأمثل لموارد الدولة.
ولعلنا في البداية ولغايات توضيح مقومات القوة في الاقتصاديات وللابتعاد عن السرد النظري، لابد لنا أن نستعرض تجارب الدول الناجحة في منطقتنا في تجاوز الأزمات، فمثلا، إن انخفاض مستويات أسعار النفط وجائحة كورونا وازمة سلاسل الإمداد كانت الاختبار الحقيقي لاقتصاديات دول العالم أجمع، حيث كان لها الأثر الكبير في تراجع مستوى النمو في مجمل الناتج القومي والمحلي لمعظم دول العالم، وارتفاعات معدلات التضخم وانخفاض جاذبية الأسواق العالمية.
لقد ترتب على انخفاض مستويات أسعار النفط عن حاجز المئة دولار في تراجع الإيرادات للدول المنتجة للنفط، لكن الواقع الاقتصادي كان له منطوق آخر فمثلا المملكة العربية السعودية من الدول القليلة التي حافظت على مستوى النمو في مجمل الناتج القومي في ظل اقتصاديات كبرى بدأت تعاني من تراجع في مستوى النمو، بالإضافة إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي العربي استطاعت تجاوز تلك الأزمات والناتج عن الجاهزية للتصدي للأزمات وتنويع مصادر الدخل وتوافر الصناديق السيادية.
علينا أن نعترف جميعا ان انخفاض أسعار النفط كان له الأثر الكبير على اقتصاديات الدول النفطية ولكن الحقيقة إن تلك الدول صمدت في تلك الأزمات، فلو قمنا باستعراض تجربة البحرين في هذا المجال لوجدنا أن تجربة مملكة البحرين والقائمة على الرؤية الاقتصادية ٢٠٣٠م كانت ومنذ أزمة ٢٠٠٨ م قائمة على الاستعداد والجاهزية للاستفادة من الدروس والعبر ، حيث أنها دأبت ومنذ ذلك الحين بأن تكون جاهزة لمواجهة الأزمات وبناء الإمكانيات القادرة على التنبؤ بالمخاطر وإيجاد الحلول وتحويل التحديات إلى فرص والتي نتج عنها الرؤية الاقتصادية 2030م والتي أطلقت برعاية ملكية في أكتوبر 2008م والتي تتمثل بالرؤية الاقتصادية الشاملة لمملكة البحرين، تسعى من خلالها إلى تطوير اقتصاد الدولة و تحسين المستوى المعيشي لجميع مواطني مملكة البحرين وذلك بالسير على مبادئ ثلاثة: التنافسية والاستدامة والعدالة والتي تستند على إيجاد البيئة الداعمة للاقتصاد .
لقد كانت خطوات الإصلاح الاقتصادي في البحرين تقوم على الرؤية الواضحة وفق ما يلي:
اولا: السعي إلى إيجاد نظام تشريعي وقطاع مالي قوي يزيد من جاذبيتها للمستثمرين.
ثانيا: توفير التسهيلات البنكية للأفراد والشركات بهدف زيادة معدلات النمو وتسريع العجلة الاقتصادية وعلى الاخص في سوق العقار والصناعات الناشئة، حيث تعتبر البحرين هي المحور المصرفي الرئيسي للمصارف الإسلامية في منطقة الخليج العربي.
ثالثا: السعي إلى إيجاد ضوابط ذات مرونة عالية تضمن حرية تحويل أو نقل الأموال وإعادة الأرباح أو رأس المال.
رابعا: بناء اقتصاد متطور يمتاز ببنية تحتية حديثة وشبكة اتصالات حديثة من خلال برنامج عمل حكومي والذي تم إطلاقه في بداية عام 2013 م القائم على التخطيط وتحديد المسؤوليات وإدارة المخاطر وحوكمة طرق التواصل والقدرة على قياس الأداء المؤسسي بضوابط رقابية والالتزام بالشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص وتحسين مستوى الخدمات بهدف تكاملية الأجهزة الحكومية والاستخدام الأمثل للموارد.
خامسا: السعي إلى أن تكون البحرين مركز إقليمي للكثير من الشركات الدولية سواء في القطاع الخدمي أو اللوجستي أو الصناعي
سادسا: تنوع مصادر الدخل في جميع القطاعات لغايات التقليل من الاعتماد على النفط.
سابعا: تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في مجالات العقارات والسياحة حيث يعد سوق العقارات في البحرين من القطاعات التي تساهم بشكل كبير في مجمل الناتج القومي.
ثامنا: دعم القطاع الصناعي، حيث تتميز البحرين حاليا في وجود أكبر المصانع على مستوى المنطقة في تصنيع حديد البلت، وتصنيع بروفيلات الالمنيوم.
تاسعا: الدعم المتواصل للقطاع السياحي والذي يعتبر من أهم مكونات مجمل الناتج القومي.
عاشرا: إنشاء هيئات تهدف إلى تطوير الموارد البشرية وعلى رأسها هيئة تمكين التي حازت على رعاية ولي العهد وكان من ضمن أولوياتها تحديد الفجوات الموجودة على مستوى السوق من حيث الحاجة لمهارات معينة ومن ثم تستثمر في تدريب البحرينيين على اكتساب الخبرة اللازمة لتلبية تلك الاحتياجات، ففي قطاع الخدمات المالية بمفرده تبلغ نسبة الموظفين البحرينيين ثلثي العدد الاجمالي للعاملين في هذا القطاع، ومن الجدير بالذكر أن هيئة تمكين كان لها الأثر الكبير في دعم القطاعات المتعثرة بسبب جائحة كورونا.
واخيرا فإن الواقع لأي دولة تعمل على التخطيط لإدارة الموارد ضمن ضوابط رقابية يساهم في تحسين مستويات النمو الاقتصادي، للمقارنة كان مجمل الناتج المحلي في البحرين في عام ٢٠٠٨ ما يقارب ٢٥ مليار دولار وبلغ ما يقارب ٣٨ مليار في عام ٢٠٢١.
وفي الختام إن الاستفادة من تجارب الدول الناجحة اقتصاديا يقلل من المخاطر العالية ويدعو إلى تبني استراتيجية تلك الدول بما يتناسب ومواردها.. ولعل تجربة سنغافورة خير مثال على ذلك كيف استطاعت استغلال مواردها وموقعها الاستراتيجي وتحويل تلك البلد الفقيرة الممزقة في سبعينيات هذا القرن إلى دولة ذات اقتصاد قوي ومستوى دخل تنافس فيه الدول المتقدمة.
* خبير اقتصادي