استطلاعات الرأي .. اقتصاد باليقين أم إسراف في الشك؟
د. ذوقان عبيدات
10-10-2022 08:57 PM
لعل من أبرز المفارقات في مجتمعنا أنه يقيني في كل الأمور: يصدق ما يسمع دون نقاش، يحفظ طلبته ما يقال لهم من معلومات دون أي شك!ينقلون الإشاعات دون شك وفحص! ولكنهم في المقابل يشكون في معلومات علمية بحثية!
إذًا؛ مشكلتنا أننا يقينيون حيث يجب الشك، وشاكّون ومشككّون حيث يجب القبول!
ما دفعني إلى هذه المقدمة حدثان جديدان: الأول، في اجتماع إعلامي للجامعة الطبية في العقبة أثرت سؤالًا: هناك دراسات علمية تشير إلى أن الأطباء والمهندسين هم أكثر الفئات استهواءً للفكر المتطرف، وأنّ معظم القيادات المعروفة للمتطرفين هم من الأطباء والمهندسين، فماذا أعددتم من برامج لحماية أطبائكم ؟ هل وضعتم مساقات إنسانية كالفلسفة والتفكير الناقد والحوار ومهارات الحياة أم تركتموهم نهبًا للتطرف؟ سمعت جوابًا مسؤولا من رئيس المديرين، أعقبه جواب من طبيب يقول: أنا لا أثق بهذه الدراسات! أجبته هذا يؤكد أنك طبيب! طبعًا هناك أطباء وغيرهم بدرجات أكاديمية عالية يلجأون إلى شيخ خريج توجيهي للحصول منه على ما يجوز فعله ومالا يجوز!!
أمّا الحادثة الثانية، فهي نتائج الاستطلاع العلمي الذي أجراه مركز دراسات الجامعة الأردنية، والذي تعرض لتشكيك واسع النطاق في مصداقيته! لست هنا في مجال الدفاع عن الجامعة الأردنية ومركز الدراسات، ولكن ما سمعته من تنمر ضد هذه النتائج ينصبّ في قاعدة: التشكيك بالعلم واليقين بالإشاعة!
قيل كثيرًا عن ضرورة الاقتصاد في اليقين وتعليم الطلبة مهارات الشك، وإبعادهم عن كلمات مثل: أؤكد لكم ، ومما لا شك فيه، وأعتقد جازمًا، وفي الحقيقة… الخ مثل هذه اليقينيات! ولكن يبدو أننا بحاجة إلى تعليمهم كيف يشكّون، ومتى ، وأين وكيف؟
ومتى يثقون وأين وكيف؟
نحن بحاجة إلى اقتصاد في اليقين فيما يتعلق بالإشاعات والأفكار الذائعة! وبحاجة إلى اقتصاد في الشك فيما يتعلق بالأفكار العلمية ! نحتاج إلى علم الأدلة والبحث العلمي ووضع الفرضيات وفحصها! نحتاج إلى: اقتصاد في اليقين بمعظم المعلومات! واقتصاد في الشك حيثما وجب.
أوضح مرة ثانية أنني أدعو لاحترام الدراسات العلمية وفحصها أيضًا بدلًا من مهاجمة العلم والبحث العلمي! قديمًا قالوا الخطأ والرذيلة يسهل انتشارهما بعكس الصواب والفضيلة! والخطير ليس في هذه الأحداث بل انزلاق المجتمع وبعض نخبه نحو الشك بالعلم والثقة بالإشاعة!