الاعتراف المتأخر
بالهزيمة المبكرة
خالد محادين
15-01-2007 02:00 AM
بعد خمسة واربعين شهراً من الغزو الامريكي – البريطاني للعراق، وأربعة واربعين شهراً من وقوف الرئيس جورج بوش على ظهر بارجه امريكية ليعلن انتهاء الحرب على هذا البلد العربي وتحقيق الانتصار النهائي لقواته وقوات بريطانيا الحربية، وجد الرئيس الامريكي نفسه مجبراً على الاعتراف بالهزيمة، وجاء خطابه الاخير لا يتحدث عن انتصاراته في العراق بل ليتحدث عن عواقب هزيمة غزوه واحتلاله، وليعلن عن استراتيجيه امريكية جديده – لم تؤيدها سوى حكومة بلير- اقل ما يمكن ان توصف به بالمثيره للسخريه، لا داخل الولايات المتحده فحسب بل وفي كل مكان آخر في العالم.
لم يتحدث بوش هذه المره عن أسباب غزوه واحتلاله لبلد عربي كان تحت حصار عنصري ظالم على امتداد اثنتي عشرة سنه، ذلك انه اعترف من قبل ان تلك الاسباب التي قدمت كمبرر للغزو والاحتلال كانت مجرد مزاعم كاذبه وتغطيه مقصوده لاسباب الغزو الحقيقية، كما لم يتوقف الرئيس بوش عند الاحلام الورديه التي وعد بتحقيقها للشعب العراقي ولكل شعوب المنطقة، واقلها جعل العراق انموذجا يحتذى في الديمقراطيه واحترام حقوق الانسان، واكتفى بإعلان مسؤوليته عن الاخطاء الكثيرة والكبيره لسياساته في العراق، وهو هنا يعني فقدان اكثر من ثلاثة آلاف عسكري امريكي لحياتهم ولا يعني تدمير العراق وقتل حوالي مليون مواطن عراقي وتشريد عدد اكبر من هؤلاء خارج مدنهم وقراهم وخارج وطنهم كله، وادخال العراقيين في نفق مظلم من القتال والاقتتال والكراهية والاحقاد وخلص الرئيس الامريكي الى القول ان البقاء في العراق كارثه وان الانسحاب منه كارثه، مع حرصه على التأكيد بأنه بعد عشرة اشهر سيسلم الحكومة العراقيه المسؤوليه عن الامن في كل العراق، وهي المهمة التي فشلت في تحقيقها وما تزال قوات ما يسمى بالتحالف وما قيل انه تم اعداده من جيش واجهزه امن عراقيه يبلغ تعدادها مجتمعة ما يقارب الثلاثة وخمسين الفاً.
الرئيس بوش الذي سبق وان كرر ان قرار البقاء او الانسحاب من العراق او زيادة القوات الامريكية هناك امور تقررها القيادة العسكرية ادار ظهره لقرار هذه القيادة، فقد اعلن الكثيرون ان ارسال عشرين الف جندي امريكي الى محافظتي بغداد والانبار لن يبدل شيئا من حقيقة فقدان الحكومتين الامريكية والعراقية لاية سيطرة عليهما، بل ان احد القادة العسكريين الامريكيين اكد ان بغداد بملايينها السته تحتاج وحدها لضبط الامن فيها الى مائة وثلاثين الف جندي، وعندما تصل واشنطن الى هذه النتيجه يصير واضحاً ان كل حديث عن قدرة امريكية – بريطانية بفرض الاحتلال على العراق وبالقضاء على رفض اهله ومقاومتم له، هو مجرد وهم تتأكد كل يوم سذاجه المراهنين عليه.
خطاب بوش الاخير والتأييد العملي له من قبل حكومة بلير لا يحملان سوى اعتراف واحد هو الاعتراف بالهزيمة، ففي رد فعل من لندن جاء الاعلان عن خفض عدد القوات البريطانية في جنوب العراق من سبعة آلاف ومائتي عسكري الى ثلاثة آلاف جندي خلال اسابيع، هذا بالرغم مما يقال عن هدوء في الجنوب العراقي، ومع الاقرار بأن الشمال العراقي ما يزال بسبب الحكم الكردي الذاتي الذي اعطي له قبل سنوات كثيره من غزو العراق عام 2003، يحظى هو الاخير بهدوء مماثل وان كان على السطح لذلك الهدوء الذي يقال عن محافظات الجنوب العراقي، فإن وجود مائة واربعين الف امريكي بكامل ترساناتهم الحربية واضافة عشرين الفاً جديداً اليهم لا يذكر بغير الاخطاء التي ارتكبتها واشنطن في عدوانها المدمر على الشعب الفيتنامي اذ ظلت تزيد عدد قواتها حتى وصل الى نصف مليون جندي ، دون ان تحقق نصراً صغيراً، حتى وجدت نفسها تجلس حول مائدة في باريس تفاوض الفيتناميين على انسحاب مشرف.
هزمت الولايات المتحدة وهزمت بريطانيا ومعها هزمت الدول التي شاركت بقواتها مراهنة على انتصار عظيم على الشعب العراقي، وما كان يعتقد البعض انه ادعاء اجوف عن انتحار قوات الغزو والاحتلال على اسوار بغداد يتأكد كل ساعة انه حقيقة، فالشعوب لا تهزم، والمهزومون لا يستطيعون ادعاء النصر وان يواصلوا مزاعمهم عن انتصاراتهم التي لم تتحقق، وربما كانت وستبقى اكبر الانتصارات الانسانية هذا الحجم الهائل للسقوط العسكري والسياسي والاخلاقي للامريكيين والبريطانيين في العراق وهذا الحجم الهائل من الكراهية التي باتت الشعوب والامم تحملها لقوى تعتقد ان غزو الآخرين وتدمير اوطانهم يمكن ان يكون تعبيرا عن عظمة وليس تعبيرا عن عنصريه وغطرسة وسقوط لا يليق بدول تستحق عظمتها قادة عظاماً وليس عسكريين متعطشين للدم والقتل والتدمير.
kmahadin@hot mail.com