كان أدهم بن عسقلة أشهر لص في العصر العباسي وكان يلتف حوله مجموعة كبيرة من اللصوص يأتمرون بأمره، فلما حضرته الوفاة كتب وصيته لرفاقه اللصوص يرسم فيها منهج السرقة وتأصيلها الشرعي وخارطة الطريق - حسب رأيه -، فقال:
(أيها الأحبة لاتسرقوا جارا ولا امرأة ولا نبيلا ولا فقيرا واذا سرقتم بيت أحدهم فاسرقوا نصفه واتركوا له النصف الاخر ليعتاش عليه مع أهله، ولا تكونوا قتلة ولا ظلمة ولا انذالا اللهم قد بلغت اللهم فاشهد). فقد كان عسقلة مقتنعا بما كتبه الجاحظ عن اللصوص أن من أسباب ظهورهم في المجتمعات عدم إخراج التجار لزكاة أموالهم، و"هؤلاء التجار خانوا أماناتهم ومنعوا زكاة أموالهم، فصارت أموالهم مستهلَكة (مستحَقة بالكامل) بمنعهم الزكاة واللصوص فقراء إليها، فإذا أخذوا أموالهم -وإن كرهوا أخذها- كان ذلك مباحا لهم، لأن عين المال مستهلكة بالزكاة".
كان لدى جماعات اللصوص في ذلك العصر فكر يقنعون أنفسهم به بانهم إنما يأخذون حقا شرعيا أُهمل تحصيله ليوزع عليهم وعلى الفقراء فانبروا لتحصيله بأيديهم من طبقة الاغنياء المتنفذين الفاسدين.
ولا اقول أن هذا صواب ولكنه يعزز بقول منسوب الى الإمام علي رضي الله عنه او ابو ذر الغفاري (عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه).
والقصد من هذا القول التنبيه إلى خطر الجوع وليس دعوة للعنف والسطو.
العبرة فيما سبق أن لصوص هذا الزمان أصحاب سيطرة اقتصادية أو سياسية وليس لهم منهج ولا خريطة عمل ولا يعنيهم الحلال من الحرام في أستثمار الوظيفة والسطو على المال العام وليس في حسبانهم الفقراء فخزائن أموالهم المنهوبة خارج الوطن والطائرات متوفرة في كل حين.
ابحث عن شبيه لأدهم ابن عسقلة فلا أجد لعله يبرم ميثاقا بين اللصوص والفقراء ليتركوا لنا قليلا من الأخضر واليابس.