العالم محفوف بالخطر، بالجريمة وأتون الحروب، العالم على الحافة، ولا جفنٌ يرّف لأثرياء الحروب حتى من كانت السكينة جزءا من أثاث طرقاتهم، أضحوا يعانون.
من يصدق أن رئيسة الحكومة الإنجليزية تشتكي من أن شوارع لندن غير آمنة، ماذا عن أزقة الليل المترعة بالقتلة، عن الحانات التي تعج بالثمل والنشوان؟، عن البلاد التي يبحث أهلها عن الخبز والحياة، ماذا عن الإقتصاد المترنّح الذي ينتظر القمح من قلب المعارك، وماذا عن الفقر والد الجريمة الشرعي، ووصيها على الفتية الذين تتقاذفهم الحارات والمخدرات؟.
في الإقليم وفي العالم، تستفحل، كل يوم، تداعيات الحرب الروسية. يتضخم التضخم، ويتضخم غيره، كروش الأثرياء مثلا وثقوب الثياب التي اتسعت على الراتق، تنحسر أحلام الناس وتقف عند ناصية الخبز، أما لذعات الشتاء القادم بقسوة، فخيبات مؤجلة وأنين عتيق.
العالم في خطر، الحروب تشتعل على لا شيء، أمام أعين الحكماء وبمباركتهم، القارة العجوز تصب زيتا على النار المشتعلة في الجبهة الأوكرانية، والعالم الخفي يحرك الفوضى في إيران، ورؤساء الحكومات في امتداد الأرض يقصون ثياب العالم على مقاس أمن اسرائيل، والعرب، مشغولون دوما بلا شيء، لا خيل تسرج ولا مال يذهب للدفاع والأمن.
لا غاية لفوهات المدافع ولا لصواريخ الطائرات، سوى إكراه الناس وإلجائهم للعوز، سترتفع مع ارتفاع القاذفات، كلف النقل وكلف التخزين وكلف المكوس الجائرة، ستضحي وجبة الجائع أمنية بعيدة، ويوما ما، في منتصف تكدّس الخيبات، سترتفع سيوف الساغب والطاوِ والغرثان، حينذاك، لا دروع لضرباتها ولا تارس.
في كل حين، ندفع أثمانا كبيرة لذاك التحوّل الاستثنائي في المعرفة، في وسائل الاتصال وسباق التسلّح والأسلحة الفتاكة، وإلّا هل يظن الناس على هذا الكويكب، أن بإمكانهم حصد الرفاهية والراحة دون استجلاب الشر، وهل يظنون أنهم حين يمارسون الاسترخاء وهم يتلهّون بأنواع الهواتف الفخمة، أن ماكينات البوائق والمصائب صامتة تحترم أراجيحهم؟.
لم تكن هذه الزلازل مبتدأ التعب على هذه الأرض ولن تكن الأخيرة، لكن الناس مدعوون لعدم إعادة إنتاج كوميديا القتل السوداء، وينبغي في إطار ثورة العلم والمعرفة، أن ينحازوا إلى موروث البشرية في التسامح وتقديم السلام على الحروب، والقمح على الرصاص، أمّا الدول التي تحاصرها كوارث الجوع والفساد وتدك حصونها حكومات لا تنتمي لأهلها، فأول ما يمكن به سدّ الثغور، هو الإلتفات لحاجات الناس وسد البطون الخَماص ثم الإنعطاف نحو تمكينهم من تمثيل أنفسهم في برلمانات حقيقية تستند على روافع حزبية تقدم برامج واقعية وخططا قابلة للتنفيذ، إذ ذاك، سيتمكن العالم من إعادة انتشاره الفوضوي، ولملمة جراح الحروب والتفرّغ لبناء هذه الأرض وفق قواعد العدل والحرية والمساواة.
في الأردن، هذه البلاد التي يتنقل جلالة الملك في قيادتها وسط حقول ألغام عالمية، سياسية واقتصادية، فإن صدارة السياسات الحكومية وخطط التمكين وخرائط الطريق، يجب أن تكون باجتراح حلول ناجعة للبطالة، فهي والدة الفقر وأم الجرائم.