تبيّن الآن بشكلٍ قاطع أن الحرب الفعلية في العالم هي حرب نفطية, وخصوصاً للدول التي تملكه , لقد فقدت الدول العظمى السيطرة الكاملة على ضمان الحصول عليه وبالكميات التي تريدها وفقدت القرار السياسي بتسخيره أداة لإضعاف الدول المعادية, وتبدلت معادلة التحالف العالمي, ومن المتوقع أن تظهر دول عُظمى جديدة وتسقط دول كانت تُصنف بالعظمى, دعونا ندخل في المقالة لنُحلل ما يواجهه العالم الآن من هذه المشاكل.
لقد باحت الحرب الروسية – الأوكرانية بكامل أسرارها وغيرت من معالم العالم الاقتصادية والسياسية والعسكرية, وكان آخرها الحرب النفطية بين أقطاب وحلفاء وشركاء الدول المشاركة والداعمة لأطراف هذه الحرب.
بدأت هذه القصة سريعاً بانقطاع إمداد الغاز لأوروبا نتيجة التفجيرين اللذين حصلا لخطي أنبوبين نورد ستريم 1 ونورد ستريم2 , فإذا تم هذا التفجير بشكل مفتعل من خط روسيا فهذا معناه أنها تريد عمل ضغطاً سريعاً على أوروبا مع اقتراب فصل الشتاء لعدم توفر البدائل كما كانت, وإن توفرت ستكون بأسعار خيالية وبكميات أقل وهذا سيزيد الضغط على الحكومات الأوروبية لإنهاء الحرب , وإذا كانت من الجانب الأمريكي فهو لمنع التزويد من روسيا لزيادة الضغط على روسيا اقتصاديا ولتحقيق مكاسب أمريكية بتعويض الغاز الروسي من الشحن بالسفن الأمريكية وبأسعار مرتفعة, وإضافة إلى وضع أوروبا بالأمر الواقع وخصوصاً ألمانيا التي تأثرت بشكلٍ كبير ,بفقدان الأمل للحصول على الغاز الروسي هذا العام وبالتالي عدم الرضوخ لروسيا في تحيّدها عن الوقوف مع أوكرانيا بدعمها لوجستياً وعسكرياً وهذا ما رأيناه مؤخراً.
وعلى الجانب الآخر خفضت أوبيك بلس إنتاج النفط اليومي بمليوني برميل بالاتفاق بين روسيا والسعودية وبقية الأعضاء وذلك للحفاظ على سعره عالمياً ومن المرجع أن يرتفع سعر النفط بعد هذا الإجراء , وهذا أيضاً سيزيد الضغط على الحكومات الأوروبية وكذلك على الديمقراطيين في الولايات المتحدة لا سيما أن الشهر القادم سيكون انتخابات مجلس الشيوخ وسيسبب الارتفاع بالفاتورة النفطية في الولايات المتحدة حالة من عدم الرضى داخل الولايات المتحدة وسيكون سببها الحرب الروسية- الأوكرانية التي تدعمها الولايات المتحدة مما سيؤدي إلى خسارة الديمقراطيين مقاعدهم في مجلس الشيوخ.
لقد دعا الاتحاد الأوروبي إلى قمة عاجلة في براغ تجمع قادة الاتحاد الأوروبي لمناقشة الحرب الروسية- الأوكرانية والوضع الاقتصادي في أوروبا وبحث أزمة الطاقة , وأهم ما يقلقهم هو ضمان استمرارية الحصول على النفط والغاز من مصادر موثوقة وبأسعار مناسبة, ما دعا برئيسة الاتحاد الأوروبي إلى وضع مناقشة سقوف ارتفاع الغاز على طاولة المفاوضات, بغض النظر عن مصدره من الدولة الحليفة أو من روسيا, إضافة إلى الارتفاع في الفاتورة النفطية والمرجح لمزيد من الارتفاعات هذا الشتاء لأن الدول العظمى في أوروبا كألمانيا وفرنسا وبريطانيا استشعرت الخطر القادم الذي سيُطيح بهم وسيقوض حكوماتهم ,وسيغرقهم بمزيدٍ من الديون وبالتالي إذا استمر هذا الوضع بتعقيداته سيتغير ترتيب تصنيف اقتصادات هذه الدول.
وعلى الجانب الآخر نرى المملكة العربية السعودية تتقدم بخُطى كبيرة لاحتلال مكانتها بين الدول العُظمى , فأصبحت الآن ذات ثقل سياسي كبير , تُفكر بعمق استراتيجي لما يُناسب مصلحتها العليا, فالنفط الذي تملكه توظفه بطريقة تخدُم مصالحها فهي تقول للعالم أنا موجود بقوة ستغيّر موازين القوى العالمية الاقتصادية والسياسية , وفي نفس الوقت تسابق السعودية الزمن في التطور التكنولوجي والإبداع والإبتكار , وكذلك ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لها 12.2% في الربع الثاني مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021 , كل ذلك سيجعل منها دولة عُظمى في القريب العاجل , وما يُعجّل ذلك هو تعزيز الأقلمة Regionalization مع دول الجوار لتأمين التكامل الاقتصادي من توفير أيدي عاملة مدربة ومواد خام , وفتح أسواق تجارية متبادلة وخصوصاً أن دول الجوار هي دول عربية ستكون قيمة مضافة لانطلاقتها.
كل ذلك سيصب في المصلحة العربية العُليا لمزيد من التقدم والازدهار ,وجعل كلمة العرب مسموعة في المحافل الدولية لحل جميع مشاكلهم وقضاياهم وعلى رأسها قضية العرب الأولى القضية الفلسطينية.
الخبير والمحلل الاستراتيجي والاقتصادي والسياسي.
م. مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com