الجنوب .. عين على المستقبل
نادية إبراهيم القيسي
07-10-2022 12:42 AM
هي الأحلام.. تلك التي تبقينا.. نتشبث بالحياة برغم كل شيء بلا كلل.. تخلق في داخلنا تلك المساحات الشاسعة من فرط الأمل لنحيا فيها لو للحظات شعوراً مختلفاً ولنحلق في سماء وردية.. لا سقف فيها للطموح.. ولا مجال فيها لليأس أو الفشل.. فقط انجازات.. ابداعات ونجاحات كما يتوق لها القلب قبل العقل مغايراً لواقعٍ يحده الكثير من الخلل.
إن الحياة بلا حلم.. كموت بطيء بانتظار تنفيذ حكم بالاعدام لم يصدر بعد ... على جريمة فعلياً لم ترتكب. فأحلامنا هي تلك الطاقة الروحانية اللامنطقية -في أغلب الأحيان- التي تخلق فينا تلك الإرادة العنيدة التي تضيء لنا شموع التحدي لتنير بها طريقنا من القاع الممتلئ بالخذلان إلى تألق القمم.. فتشحذ في دواخلنا روح المقاتل ببسالة لأشباح الماضي و الحاضر.. طمعاً في مستقبلٍ عالٍ أفضل.. لمقاتل صلد لا يثنيه تكالب المحن ماضياً في طريقه مها طال الزمن.. ساعياً بخطى اليقين مترنماً بأنشودة درويش:
''قف على ناصية الحلم وقاتل.. فلك الأجراس ما زالت تدق.. ولك الساعة ما زالت تدق»..
و بالحديث عن الأحلام.. وترجمتها على أرض الواقع هاهي مدينة المستقبل الجديد نيوم (Neom) بدأت ترسي ركائزها في شمال غرب المملكة العربية السعودية لتمتد بعد ذلك تدريجياً إلى دولة مصر العربية و جنوب المملكة الأردنية الهاشمية -باعتبار مدينة العقبة جزء من هذا المشروع الاقليمي العابر للحدود- ناقلةً بذلك الثقل الجيو-اقتصادي من منطقة الخليج العربي التي كانت مهيمنة لسنوات عديدة مضت إلى منطقة البحر الأحمر لتخلق واقعاً جديداً مغايرًا لكل ما سبق و بغض النظر عن كل التحليلات والتكهنات التي تتنبأ بنجاح أو فشل هذا المشروع (الحلم) وما قد يترتب عليه من تغيرات سواء كانت ايجابية أو سلبية -تبعاً لوجهات النظر المطروحة والمتباينة- إلا أن ضخ هذه الاستثمارات العالية القيمة باختلافاتها و تنوعها والتي ستخلق مركز جذب عالمي استثماري نوعي منقطع النظير للمنطقة هي عبارة عن منجم من الفرص الذهبية التي يجب استغلالها بالكثير من الذكاء الاقتصادي التنافسي لتحقيق أقصى الفوائد الممكنة في انعاش الاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة في كافة القطاعات على امتداد أرض الوطن عن طريق الاستثمار الجاد المثمر بخلق مراكز وبؤر جذب اقتصادي وسياحي مستقطب يشكل امتدادًا حضرياً لهذا المشروع الاقليمي الدولي.
الجنوب الأردني و بالرغم من التقدم الملموس في تنفيذ المشاريع التنموية ما بين محافظات الكرك معان الطفيلة والعقبة بما تشمله من ألوية وأقضية وتوفر العديد من الفرص الاستثمارية بالأخص في مدينة العقبة الاقتصادية الخاصة إلا أن هناك الكثير من العوائق والصعاب التي يجب العمل على تذليلها وتحييدها في مسيرة التغيير البناء لمواكبة التطورات المستقبلية بدءاً من الثقافة المجتمعية التي تعارض في بعض الأحيان الانخراط في وظائف عمل معينة أو لا تتقبل مفاهيم تمكين الشباب والمرأة مما يؤدي لتفاقم مشكلة البطالة وعدم إتاحة بعض الحلول مثل إحلال العمالة المحلية بدلاً من العمالة الوافدة في بعض المجالات إلى عدم توفير و تعزيز برامج التدريب المتخصص والتشغيل الوطني التي تسهم بشكل كبير في تخريج كوادر بشرية مؤهلة باحترافية عالية قادرة على شغل العديد من الوظائف محليًا واقليمياً. بالإضافة يجب العمل على توفير البنى التحتية و الفوقية في مناطق الجنوب المختلفة لتسهيل إقامة المشاريع المتنوعة بما يرافق ذلك من اعفاءات وامتيازات تشجيعية للمستثمرين على غرار قانون المناطق التنموية ولكن بشكل أكثر فائدة وجذباً للمستثمرين من الداخل والخارج.
كما يجب التوجه لاستملاك الأراضي ذات المواقع الاستراتيجية الهامة في الجنوب وتحويلها لمناطق تنموية وطنية تخدم الرؤي الاقتصادية المستقبلية. أخيراً وليس آخراً إعادة تأهيل.. تحسين وتطوير خدمات المناطق الأثرية والسياحية والترويج لها محلياً إقليميا وعالمياً مع التركيز على السياحة العلاجية ودعم إنشاء منشآت نوعية تقدم خدمات طبية وصحية مميزة ذات جودة عالية عالمية بأسعار تنافسية تستقطب مختلف الفئات المستهدفة من مختلف الدول عربياً إقليمياً وعالمياً. ليكن بذلك كله الجنوب الأردني بوابة للانتعاش الاقتصادي الممتد لاحقًا بالتتابع ليشمل كافة أرجاء الوطن بإذن الله تعالى.
إن التمكين الاقتصادي والقضاء على البطالة من أكبر التحديات التي تواجه مجتمعنا الأردني وشبابنا حالياً تزامناً مع غلاء المعيشة المتفاقم وزيادة المتطلبات الحياتية بكل الظروف النفسية الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي مررنا ونمر بها نتيجة المتغيرات العالمية من حروب وجوائح ماضية وحالية لذلك وإن كان على سبيل الحلم والأمل المفرط بالتفاؤل يجب الأخذ بعين الاعتبار كافة الاحتمالات لحلول فعلية قادرة على خلق تغيير حقيقي في الواقع الاقتصادي الحالي المنعكس على كافة نواحي الحياة وأن لا نكتفي بأن نكون عين على المستقبل تراقب من بعيد بل أن نكون نحن جزءاً هاماً فاعلاً متفاعلاً بقوة في إيجاد هذا المستقبل واستدامته.. والله دوماً من وراء القصد.
الرأي