إذا كانت الصحافة التقليديّة سلطة رابعة، والسوشيال ميديا سلطة خامسة، فإنّ المؤثّرين (Influencers) هم بمثابة سلطة سادسة، وهي سلطة هجينة تستخدم أدوات الإعلام ومنصّاته ولا يَحكم عملها إلا عدّاد الإعجابات والمتابعين والانتشار.
أقول قولي هذا وأنا أتابع "الهجمة" الشرسة على ملتقى المؤثّرين في البحر الميّت. لقد جرى خسف الأرض بهم، وهذا ليس مجازاً، فقد انبرى أحدهم إلى وصف ملتقاهم بأنه أشدّ وقعاً مما حدث لقوم لوط.. يا إلهي!
علينا أن نعترف أنّ المؤثّرين والمؤثّرات (أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا) صاروا حقيقة واقعة، وصاروا يشكلّون ويصوغون أذواق جيل بأكمله متعلّق بهؤلاء "النجوم" الذين يحاكون أشواقه وأحلامه (حتى لو كانت أحلام العصافير!).
الفتوحات الاتصاليّة الدؤوبة تركت قوماً يتباكون على زمن الإعلام القديم، ويشتمون الزمن الراهن الموسوم بـ"التفاهة". ماذا سيقول هؤلاء عن زمن "الميتافيرس"، حيث ستتخلّق عوالم و"حقائق" في الزمن الافتراضيّ، وسيغدو الحديث عن الزمن الرقميّ من إرث الماضي؟
أعتقد أنّ النائحين على انعقاد ملتقى المؤثّرين هم في جُلّهم ممن خرجوا من اللعبة. وبالتأكيد الإنسان عدو ما يجهله.
سيقول أحدهم إنّ المؤثّرات والمؤثّرين يقدّمون محتوى تافهاً بلا أي قيم أو إضافات معرفيّة، أو ضوابط أخلاقيّة. وأقول لهؤلاء إنّ ذلك كلّه من الأعراض الجانبيّة لهذا الانفجار الاتصاليّ الهائل في ثورة المعلومات التي جعلت كلَّ من يملك موبايلاً ذكياً جزءاً من اللعبة. لا تستطيع أن تُشهر البطاقة الحمراء في وجهه، وتطرده من الملعب، لأنّ الملعب ليس مستطيلاً أخضر محدّداً بخطوط بيضاء عريضة، بل إنّ الكون بأسره هو الملعب.
يمكنك أيها المعارض أن تستنكف عن اللعب، لكن لا يمكنك، ولا يحقّ لك، إيقاف اللعبة. إنه زمن يتشكل بإيقاع إعصاريّ لا إرادة لنا فيه، وعلينا إن لم نقبل به أن نتفّهمه، على الأقل.