تسعة وأربعون عاما تمضي على حرب رمضان أو حرب تشرين 73، وقد قاتل الجيش العربي الاردني في هضبة الجولان، وخاض معركتين رئيستين وقدم الأردن 23 شهيدا، ولا زال عدد من قادة الكتائب والسرايا والضباط والجنود قادرين على رواية الأحداث وقادرين على ان يكونوا ضيوف شرف لاحتفال مناسب بهذه المناسبة التي كان للأردن دور رئيسي فيها.
أربعون عاما تمضي ولا نتذكر كم مرة احتفل الأردن فيها بهذه المناسبة، وكم استذكرنا بطولات جيشنا وشهدائنا، ونتابع احتفالات سوريا ومصر بها ولكن لا ذكر للجيش الاردني مطلقا، بل هناك تنافس شديد بين مصر وسوريا على من يبرز دوره بشكل اكبر، ولكن لدينا تاريخ في هذه الحرب وغيرها، ولدينا وثائقنا، ولكن هل لدينا مؤسسية الاحتفال في مثل هذه المناسبة، ومن يمكن ان يتولى ذلك؟ هل هي القوات المسلحة أم رئاسة الوزراء أم وزارة الثقافة؟ أو غير ذلك،
تشرين 73 المصري والسوري هو تشرين الاردني أيضا، فلا زالت صورة وداع المغفور له الحسين لقواتنا وهي تعبر الحدود إلى الجبهة من نقطة درعا ماثلة، ولا زالت صورة الحسين يرحمه الله وهو يجلس في ظل دبابة على ارض الجولان والى جواره (الشريف زيد بن شاكر وخالد هجهوج المجالي عطاالله غاصب) والحسين يكتب رسالة من الجبهة إلى الرئيس حافظ الأسد حينها، لا زالت هذه الصورة الوثائقية تحمل أكثر من رسالة ومعنى في هذا الزمن، وأيضا أبدع المراسلون الاردنيون الإعلامي والذين عاشوا لحظات الحرب في سرد قصص المعارك ويوميات المقاتلين الأردنيين من الجبهة ومنهم إبراهيم شاهزادة وتركي نصار.
تشرين ذلك النصر المحير لكنه الانتفاضة على الهزيمة التي انطلقت أساسا من معركة الكرامة 21 آذار 1968 تحتاج منا إلى توثيقها بصورة علمية موسعة، لنخرج بتشرين أردني يضاف إلى جهود القوات المسلحة الاردنية الفريدة في إعادة كتابة التاريخ العسكري بعد ان أنتجت موسوعات مميزة تتحدث عن الثورة العربية الكبرى وعن معركة الكرامة وقوات حفظ السلام وعن الشهداء الخالدين وهي الجهود الوحيدة للان في هذا المجال، وهنا نستذكر جهودا أخرى تمت في الماضي، فقد تابعت جلالة الملكة رانيا العبدالله (سمو الأميرة آنذاك) عام 1992 إنتاج لوحة فنية عن قواتنا المسلحة في جبهة الجولان 73، ورسمت اللوحة فنانة روسية قابلت بعض المشاركين في الحرب وزارت ميدان حرب الجولان وقد كنت شخصيا اعمل مع هذه الفنانة المبدعة طيلة فترة عملها، وقد شرفنا المغفور له جلالة الحسين بحضور تدشين هذه اللوحة وبحضور جلالة الملك عبدالله الثاني (سمو الأمير آنذاك قائد العمليات الخاصة) أيضا واللوحة الآن معروضة في صرح الشهيد.
ونستذكر كتاب (أردني في الجولان) لتركي نصار وما كتبه احد قادة كتائب تشرين الفريق المتقاعد المرحوم محمود حماد الموانيس عن مشاركته ودوره في مذكراته المنشورة التي حملت اسم معارك لم تحسم.
أبدع السوريون والمصريون في مجال التأليف والتوثيق وإنتاج الأفلام عن حرب تشرين، وأبدعوا في تشييد بانوراما في كل من القاهرة ودمشق تتحدث باحترافية وبتشويق عن سير معارك تشرين وأعيد القول تقرأ حرب تشرين في مصر كمصرية خالصة وحتى لحصرها بهم يسمونها حرب 6 اكتوبر، وفي سوريا كسورية خالصة، ومما يؤسف له إننا لا زلنا نخجل في ان نقول ان معركة الكرامة الاردنية الخالصة لا زلنا نخجل في قول ذلك وننقص نحن من انتصارنا الفريد المتفرد لاعتبارات لا معنى لها ولا تتعارض مع قواعد الوحدة الوطنية واحترام الآخر وبالتالي فنحن الذين نجرم في تاريخنا كل يوم. ولكن لا زلنا نراوح مكاننا ونحن نحاول ان يكون لدينا ما يشابه ذلك في الحديث عن تاريخنا العسكري المشرف والارتقاء بنهج التأريخ إلى مستوى الوصول إلى ذهنية الشباب المتفتح عل تكنولوجيا العالم وتقديم هذا التاريخ بكل وسائل وتقنيات العرض الجاذبة مع الجدية والمصداقية والعلمية في استخدام هذه الوسائل بعيدا عن الترف المظهري واستهلاك الزمن والمال في القشريات والمظهريات.
نتطلع إلى متاحف تاريخية متخصصة تكون مدرسة سنتها الدراسية يوم واحد أو حتى زيارة واحدة يقرأ الطالب أو الزائر تاريخ وطن على مدى السنين بساعة أو ساعتين.