ما قبل ضم الأقاليم الخمسة (القرم ولوغانسك والدونباس وزاباروجا وخيرسون) عبر استفتاءات شعبية مرتفعة من حيث النسب المئوية عامي 2014 2022 توسعت الخارطة الروسية إلى أكثر من ثمن العالم مساحة، وتحولت إلى قارة وقطب كبير، وهو الأمر الذي يواصل اثارة حفيظة ليس (كييف) التي خسرت كل مراهناتها السياسية، ولكن الغرب الأمريكي كله الذي يصعب عليه النوم هادئا مادامت روسيا الإتحادية ناهضة وتنهض بإستمرار في مجالات مختلفة وفي مقدمتها السلاح النووي الأكثر جودة وقوة في العالم، وهذه حقيقة. ولو اشارت الاستفتاءات الشعبية سابقة الذكر لصالح غرب أوكرانيا لأصبح من حق القيادة الأوكرانية بقيادة فلاديمير زيلينسكي الحديث مع موسكو بصوت عالي، وهي القريبة والمحسوبة على التيار البنديري الذي تتقدمه فصائل (أزوف) العسكرية المتطرفة. والآن يمكن القول بأن روسيا الإتحادية وغرب أوكرانيا دولتان شقيقتان وجيران، وشعبيهما اخوان، وثمة علاقات تاريخية بينهما، وتداخل اجتماعي وثقافي وديني عميق، والحديث عن محاولات (كييف) اعادة تحرير بلدات أوكرانية أصبحت روسية هو محض سراب، ولن تقبل روسيا ترك ما حررته من الأقاليم واطلقت الاستفتاء الشعبي حوله في مهب المد والجزر مع أوكرانيا – زيلينسكي عسكريًا، وها هي القوات الخاصة الشيشانية المحترفة تتحرك بعد غزو الجيش الأوكراني لبلدة ليمان الحمراء، وسيادة روسيا لا تتجزأ، وسيادة أوكرانيا تعرضت للتجزء بسبب سياسة (كييف) المتطرفة، والتاريخ القديم والمعاصر يعطي اشارات لصالح روسيا من زاوية الأحقية التاريخية، ومعالم التطرف الأوكراني أوردها هنا تباعًا، وتصريح جديد للناطق الاعلامي باسم قصر الكريملين الرئاسي في موسكو دميتري بيسكوف يؤكد عزم روسيا على اعادة المناطق التي اجتاحتها اوكرانيا (كييف) .
فالثورات البرتقالية التي رافقت انقلاب 2014 الدموي والذي تمكن من طرد آخر معقل ورئيس موالي لروسيا مثل فيكتور يونوكوفيج لم تكن وطنية أوكرانية خالصة وامتدت مخترقة عامي 2004 و2005 عبر الانتخابات الرئاسية، فكانت أمريكا وجهازها اللوجستي على الخط والدلائل كثيرة من بينها ما ذكرته مجلة (كاونتر بنشن) الأمريكية اليسارية بوجود دور لمنظمات أمريكية في صناعة الثورات الشعبية والتي من بينها منظمة العطاء الوطني من أجل الحرية، وكذلك مؤسسة كارينجي للسلام الدولي، وبيت الحرية، ومعهد جورج سوروس للمجتمع المفتوح في تمويل حملة فيكتور يوشينكو المؤيد للغرب في الانتخابات الرئاسية عامي 2001 2004. ولعبت امريكا دورًا رئيسًا في انقلاب 2014، وجهزت غرب أوكرانيا لمرحلة جديدة معادية لروسيا وعلى كافة المستويات، مثل مطاردة اللغة الروسية، وفصل الدين المسيحي الآرثوذكسي عن القيادة الأرثوذكسية في موسكو بقيادة كبير الأساقفة كيريل، والتأسيس لصناعة قنبلة نووية بقصد إحداث توازن مع الدولة الروسية النووية العظمى، والتقرب مبكرًا من حلف (الناتو) العسكري الغربي بقيادة أمريكا المعادي تحديدًا لروسيا، ونشر أكثر من 30 مركزًا بيولوجيًا خطيرًا ناشرًا للفايروسات والتي منها (كورونا) التي كانت تُحمل على طائرات خاصة صغيرة متخصصة لبث الفايروسات فوق الأراضي السوفيتية والقريبة منها، وقصف شرق وجنوب أوكرانيا على مدى أكثر من ثماني سنوات، والتسبب في مقتل أكثر من 14 الفًا من الأوكران الناطقين بالروسية والروس البالغ تعدادهم حوالي 7 ملايين نسمة .
والآن وبعد انضمام الأقاليم الخمسة لروسيا أصبح أي اعتداء غرب أوكراني على الأقاليم هو اعتداء على سيادة روسيا مباشرة، وعاد الرئيس زيلينسكي ببلاده للمربع الأول بدلا من التجديف بإتجاه الحوار والسلام، وهو الذي أضاع فرصة الحوار المباشر مع موسكو وعبر اتفاقية (مينسك) منذ البداية وتحت ضغط متواصل من الغرب الأمريكي، وبتدخل مباشر من أمريكا بالذات التي لا تنسجم مع عالم تتواجد فيه روسيا قوية ناهضة، ولاتريد في ذات الوقت خسران قطبها الواحد الذي انتهت فاعليته بإنطلاق العملية العسكرية الروسية بتاريخ 24 شباط 2022 وتحولت بعد عدة شهور إلى حرب مفتوحة فاقت توقعات القيادة الروسية والعالم، فبدأ زيلينسكي بالتقرب من (الناتو) مجددًا مستجديًا الانضمام له بهدف استخدامه ورقة ضاغطة على موسكو، وبثت ماكنة إعلام الغرب دعاية سوداء مفادها بأن روسيا قد تستخدم السلاح النووي المحدود المنخفضة قوته لمواجهة التطاولات الغرب أوكرانية بهدف جر روسيا لحرب نووية كبرى مع الغرب، وهو مجرد هراء وسراب، وخديعة مكتشفة .
وزيلينسكي فنان ورجل قانون وناطق بالروسية ومواليد بلدة (كرفي ريه) الناطقة بالروسية، وصاحب البرنامج التلفزيوني المشهور " خادم الشعب" ينقلب على جارة بلاده روسيا ويخسر معها التاريخ المشترك، والاستقلال، والمستقبل الواعد، ولابد من دعوة الشعب الأوكراني المرتبط بالعاصمة (كييف) لإستفتاء لتقرير مصير الوطن الأوكراني بعد انسلاخ الأقاليم الخمسة عنه، ومصير الرئيس المنتخب زيلينسكي، والعلاقة مع روسيا الإتحادية ومنظومة السوفييت السابقة، وجدوى العلاقة مع الغرب، والاتحاد الأوروبي الذي لم يتفهم رغبة سكان شرق وجنوب أوكرانيا بالانضمام لروسيا وإلى الأبد، والعلاقة مع حلف (الناتو) الذي لن يقبل انضمام (كييف) بسهولة لصفوفه الا بعد تصويت كافة الدول الأعضاء فيه، وبالمناسبة فإن 10% من سكان غرب أوكرانيا الآن مؤيدون لروسيا ولمشروع ضم الأقاليم حسب تصريح سابق للرئيس بوتين، بمعنى انهم غير منسجمين مع نظام زيلينسكي الذي اصبح علنًا محسوبًا على الغرب، واذا ما تطوروت هذه النسبة بشكل طردي، فإن مصير غرب أوكرانيا سيلتحق بشرقها وجنوبها، والتاريخ منحاز لإرتباط غرب اوكرانيا بروسيا منذ عهد لينين وخرتشوف وغورباتشوف .
ولقد دعا الرئيس بوتين نظيره زيلينسكي عبر خطابه الأخير لضرورة أن توقف أوكرانيا وقف أطلاق النار فورًا بعد الاستفتاء الناجح الذي جرى على الأقاليم الأربعة الاخيرة، وبعدما انتهى موضوع اعتماد القرم ضمن الاراضي الروسية أيضا، وتحصين لأوكرانيا لحدودها مع بيلاروسيا شمالاً تحسبًا لاختراقات روسية من هناك كما حدث في بدايات اندلاع العملية العسكرية، والغرب يفضل مواصلة دعم (كييف) عسكريا على الاستعجال بضمها إلى (الناتو)، لأن في عملية الضم تصعيد خطير مع روسيا بدلاً من التهدئة، والغرب الحزين على اوكرانيا واستقلالها متفاجيء بالخطوات القانونية كما الامم المتحدة، فالعملية العسكرية ترتكز على المادة 751 من مواد الامم المتحدة، وضم الأقاليم كذلك ارتكزت على صناديق الاقتراع وليس على احتلالها وعلى المدتين 106 و107 من مواد الامم المتحدة، ويخطيء من يعتقد بأنه من الممكن الانتصار على روسيا وحتى بحدوث اختراقات لبعض البلدات التي اصبحت روسية الآن مثل (ليمان) والجنرال الكسندر زورافيلوف خبير الحرب السورية قادم إلى هناك، والحرب كرٌّ وفر، وحسب وزارة الدفاع الروسية فأن عدد الملتحقين بالجيش الروسي من الاحتياط بلغ 200 الف مجندا، وكل ماهو روسي سيعود روسيا آجلا أم عاجلا، وبوتين يعلن احترامه للشعب الاوكراني رغم الظرف الحالي الذي سينتهي إلى استقرار .