بعد انهيار الهدنة .. اليمن على أبواب المجهول
صلاح الاغبر
05-10-2022 11:44 PM
تجاه الأزمة اليمنية، ومن واقعٍ موضوعيٍ صرف، بدأت تتجلى مواقفُ دولية وعربية أكثر امتعاضًا من ذي قبل، وصريحة إلى حدٍ ما في توصيف الأسباب والتنبيه إلى العواقب، فالأمل بتمديد وتوسيع الهدنة بين القوات الحكومية وجماع انصار الله الحوثية (الشيعية) ذهب أدراج الرياح إلى حد الآن، والحاجز الذي حال دون تقدم الجهد الأممي نحو الأمام هو الموقف الرافض لجماعة الحوثيين لمسألة التمديد، وهو الموقف الذي بررته الجماعة بعدم رُقي المقترح الذي تقدم به المبعوث الأممي هانز جروندبرج إلى المستوى المطلوب.
ما هو واضح، أن الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ منذ الثاني من أبريل الماضي وانتهى تزمينها في الثاني من اكتوبر الجاري بعد تجديدها لمرتين متعاقبتين، حدّت إلى مستوى كبير من الأعمال القتالية، وخفضت أعداد الضحايا في أوساط المدنيين؛ لكن عمليات التحشيد والاستعراض العسكري سادت في محافظات عدة، سيما صنعاء والحديدة المحكومة باتفاق ستوكهولم الموقع في السويد بين الحكومة وجماعة الحوثيين في ديسمبر 2018م.
في المزاج العام، يُنظر إلى انفراط عقد التهدئة وتأجيج النزاع من جديد على أنه خطر كبير يفتح أبواب المجهول امام البلاد المنهكة والشعب المطحون بين جانبي رحى حرب تدور منذ نحو ثمان سنوات، فأمل السلام الذي كان يراد تحقيقه من خلال البناء على الهدنة قد تلاشيى ليفتح الأبواب على كارثية المستقبل الذي ينتظر 30 مليون نسمة (عدد سكان اليمن) بعد أن عاشوا لنصف عام على أمل انقشاع غيمة الحرب والدخول في حل سياسي، وهذا الموقف لا ينبري به اليمنيون وحدهم، لكنه أيضا متصل بشبكة التطلعات في المحيط العربي، خاصةً وأن تأثير الأزمة اليمنية ليس محصورا في الجغرافيا اليمنية فقط، وإن كان متركزًا فيها.
يحمل الجميع جماعة أنصار الله التي تسيطر على صنعاء عواقب المآلات التي ستمضي إليها البلد في المرحلة القادمة، وهذا الإلقاء حقيقي إلى حد كبير بالنظر إلى أن الجماعة المدعومة من إيران هي التي رفضت علنا كل عروض ومقترحات الوسيط الدولي، في حين أعلن الجانب الحكومي قبوله بتلك المقترحات، وعلى الرغم من ان هدنة الستة أشهر الماضية منحت الحوثيين الكثر من التنازلات التي قدمها الطرف الآخر ومنها فتح مطارات وموانئ تسيطر عليها الجماعة والسماح لها بالعمل، بالاضافة إلى تمكينها من اعادة ترتيب صفوفها وربما استقبال المزيد من الأسلحة المهربة، إلا رفضت تمديد الهدنة وأعلنت استعدادها للحرب بل وذهبت لتهديد الأجانب العاملين الأجانب في اليمن بالاستهداف وقصف المنشىت الحيوية النفطية والغازية الواقعة شرقي البلاد.
هذا الموقف أكد لدى كثيرين الارتباط الوثيق بين الأزمة اليمنية وأزمات وملفات أخرى في المنطقة على رأسها مفاوضات الملف النووي الإيراني، فبالتحليل حتى البسيط منه، يتبين أن إيران أرادت الضغط على خصومها من خلال الإيحاء بقدرتها على مفاقمة أزمة الطاقة التي تعصف بالغرب لاسيما في أروبا من خلال استخدام الحوثيين وقصف منشآت نفطية في اليمن والمنطقة لايما السعودية أكبر منتج للنفط وفي العالم، او من خلال استهداف ممر باب المندب أحد أهم الممرات البحرية في العالم لتجارة الطاقة.
بالموازة، أخذ المجتمع الدولي شحذ مواقفه بطريقةٍ أكثر وضوحًا، ففي حين وصفت بريطانيا على لسان سفيرها ريتشارد أوبنهايم رفض الحوثيين بـ "التعنت" اعتبره الاتحاد الأوربي "مواقف متطرفة" وأدانت فرنسا في الوقت ذاته التهديدات التي أدلى بها قادة حوثيون لاستهداف جوار اليمن والشركات النفطية العاملة في مناطق سيطرة الحكومة، وهكذا دوليك تتابعت المواقف الآسفة والمنددة، ولا تزال.
إلى ذلك وسواه، تثير فلسلفة الذرائع التي تتبعها جماعة الحوثي المزيد من التناقضات في مواقفهم حيال تحقيق السلام الذي أصبح مطلبا ليس يمنيا فقط، بل دوليا وإقليميا لإيقاف نزيف الأزمة الأسوأ في العالم الجاثمة على صدور اليمنيين، وسط تصاعد لكنة التهديد التي يرمي من خلالها الحوثيون إلى الاستئثار بمكاسب الهدنة دون الاهتمام بعوائدها المتوقعة على اليمنيين المثخنين من 8 سنواتٍ حرب أدخلت أكثر من 18 مليون يمني في نفق الجوع.
ما هو أكيد الان أن موقف جماعة أنصار الله الحوثية زاد من عزلتها داخل اليمن، وزاد من خصومها، خصوصا أنها كانت ولا تزال ترى نفسها ترى نفسها منبوذة في مجتمع تقول إنه يعاديها، وربما يكون في ذلك جزء من الحقيقة بالنظر إلى سجل هذه الجماعة التي ارتبطت في أذهان اليمنيين وحتى سكان المنطقة والعرب عموما بالحروب وسفك الدماء والأزمات وفي اذهان اليمنيين خصوصا بكثير من الحروب والأزمات أدخلت البلاد فيها منذ نحو عشرين عاما وهي الحروب والأزمات التي قوضت الدولة وشردت ملايين اليمنيين وأوقفت التنمية في البلاد وحركت ملايين الموظفين من رواتبهم ومستحقاتهم والشباب والجامعيين من الوظائف وكثير ومئات آلاف الطلاب.
ووفقا لتك المعطيات الاجتماعية وأخرى سياسية ودينية أو لنقل طائفية يرى جزء من قادة الجماعة أن لاطيرق امامهم الإ الاستمرار في الحرب وفرض القوة على اليمنيين والمضي في سياسة الانتقام الجماعي ثأرا لما حدث في مطلع الستينيات عندما ثار الناس في اليمن الشمالي آنذاك ضد الإمامة الملكية الزيدية التي كانت تحكم بالبلاد باسم الدين، قبل أن يعود أولئك ليسيطروا على صنعاء بانلاق عسكري عام 2014 مستغلين أنهيار وتفكك أجهزة الدولة بما فيها العسكرية إثر احتجاجات ما سمي بالربيع العربي التي قوضت النظام ومكنت الحوثيين في نهاية المطاف من السيطرة على شمال البلاد بالقوة.
وبالتأكيد لا ينسى أولئك أن مصر كانت الداعم والمحرك الرئيسي لتلك الثورة بل وشاركت فيها بقوات عسكرية إلى جانب الثوار الذي كانوا مدعومين بالكامل من القاهرة.