أنهت روسيا استفتائها على ضم الولايات الأربع وهم لوهانسك ودونيسك وزاباروجيا وخيرسون نهاية شهر أيلول الماضي ,وقامت بضمهم واعتبارهم جزأً لا يتجزأ من الأراضي الروسية مما يستدعي الدفاع عنهم بشتى الوسائل والطرق واسترداد ما تم احتلاله منهم حتى لو تم استخدام السلاح النووي حسب العقيدة العسكرية الروسية, حيث تشكل هذه المقاطعات ما مجموعه مساحة 100 ألف كيلومتر مربع أي قرابة سُدس مساحة أوكرانيا, وثرواتها تقدر بأكثر من نصف الثروات الطبيعية لأوكرانيا ,وقد سبق عملية الضم هذه إعلان روسيا للتعبئة الجزئية وذلك بإرسال 300 ألف جندي روسي إلى القتال في أوكرانيا مما يعني تغيير المسمى من عملية عسكرية محدودة إلى حرب, وبعد عملية الضم هذه صرح الرئيس الروسي في خطابه بأننا جاهزين للمفوضات والجلوس على طاولة الحوار.

سنقوم بتحليل الجوانب الاقتصادية والعسكرية والسياسية بعد عملية الضم والتعبئة هذه ضمن الأحداث الجارية.

لقد توالت الأخبار بعد عملية الضم للمقاطعات الأربع ,حيث حصل انقطاع إمداد الغاز لأوروبا نتيجة التفجيرين اللذين حصلا لخطي أنبوبين نورد ستريم 1 ونورد ستريم2 , فإذا تم هذا التفجير بشكل مفتعل من روسيا فهذا معناه أنها تريد عمل ضغطاً سريعاً على أوروبا مع اقتراب فصل الشتاء لعدم توفر البدائل كما كانت, وإن توفرت ستكون بأسعار خيالية وبكميات أقل وهذا سيزيد الضغط على الحكومات الأوروبية لإنهاء الحرب , وإذا كانت من الجانب الأمريكي فهو لمنع التزويد من روسيا لزيادة الضغط على روسيا اقتصاديا ولتحقيق مكاسب أمريكية بتعويض الغاز الروسي من الشحن بالسفن الأمريكية وبأسعار مرتفعة.

وعلى الجانب الآخر قررت "أوبك+" خفض إنتاج النفط مليوني برميل يوميا برميل بالاتفاق بين روسيا والسعودية وبقية الأعضاء، اليوم الأربعاء، وذلك للحفاظ على سعره عالمياً ومن المرجع أن يرتفع سعر النفط بعد هذا الإجراء, وهذا أيضاً سيزيد الضغط على الحكومات الأوروبية وكذلك على الديمقراطيين في الولايات المتحدة لا سيما أن الشهر القادم سيكون انتخابات مجلس الشيوخ وسيسبب الارتفاع بالفاتورة النفطية في الولايات المتحدة حالة من عدم الرضى داخل الولايات المتحدة وسيكون سببها الحرب الروسية- الأوكرانية التي تدعمها الولايات المتحدة مما سيؤدي إلى خسارة الديمقراطيين مقاعدهم في مجلس الشيوخ.

على الجانب العسكري قامت الدول المساندة لأوكرانيا بتزويدها بأسلحة متطورة ودعم لوجستي كبير وأبلغت مصانعها بإعادة إنتاج الأسلحة والذخائر التي تحتاجها أوكرانيا فالإدارة الأمريكية تريد تمرير بقية ما تم رصده من أصل 40 مليار دولار من أسلحة وتدريب ودعم لوجستي قبل الانتخابات الشهر القادم, لذلك رأينا استرداد القوات الأوكرانية لمدينة ليمان ومدن صغيرة أخرى.

لكن على الجانب الآخر كيف تخطط روسيا عسكرياً ؟ روسيا تفكر الآن بثلاثة طرق :

الأولى : إلهاء حلفاء الأوكرانيين بالأسلحة الاستراتيجية النووية حيث صدر مؤخراً تحريك قطار يحتوي على أسلحة استراتيجية نووية (تلك التي تدمر الدول الكبيرة ) باتجاه الحدود الأوكرانية, وكذلك اختفاء غواصة نووية استراتيجية روسية مجهزة بالكامل لم تُعرف وجهتها للآن , وكذلك الإيعاز لحليفتها كوريا الشمالية بإطلاق صواريخ بالستية سقطت قريبة من السواحل اليابانية.

الثانية: التجهيز الكامل بالانقضاض على العاصمة الأوكرانية من الشمال, وأيضاً قطع الإمدادات عن القوات الأوكرانية المتقدمة وهذ ما سيتم التجهيز له في فصل الشتاء, بسبب التقنية العالية للجيش الروسي الذي ستدفع به روسيا لتنفيذ المهمة من احترافية وجاهزية عالية للتعامل مع الظروف الجوية الصعبة مما يعطيهم تفوق واضح على القوات الأوكرانية , والسبب الثاني المراهنة على الانتخابات الأمريكية بفوز الجمهوريين, فعلى أقل تقدير سيؤدي إلى رفضهم صرف مبالغ من الموازنة لدعم الأوكرانيين حيث أن الاقتصاد الأمريكي بحاجة لهذا الدعم حسب نظرهم.

الثالثة: في حال قيام الغرب بتزويد أوكرانيا بأسلحة نوعية تُحدث فارق في ساحة المعركة في المقاطعات الأربع التي ضمتها روسيا , سيكون هناك استخدام فوري لأسلحة نووية تكتيكية من قبل روسيا, عدا ذلك سيكون هناك انتظار لفصل الشتاء حسب ما جاء في الطريقة الثانية أعلاه.

أما بالنسبة للجانب السياسي, يحاول الغرب بشتى الطرق إرسال رسالة إلى الشعب الروسي بعبثية هذه الحرب وأنها ستُدمر الاقتصاد الروسي , لا وبل هناك خطط لإسقاط بوتين داخلياً, وهذا يوازي ما نجح بوتين فيه بإسقاط حكومات أوروبية ولا يزال يُمارس الضغط على الشعوب الأوروبية من خلال منع الغاز والنفط الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة إلى حد لا يستطيع المواطن الأوروبي أن يستمر على هذه الحال مع دخول فصل الشتاء , وهذا سبب آخر يُدعّم تأجيل بوتين معركته الحاسمة للشتاء.

وأخيراً للدخول إلى فرصة الحل السلمي لجميع الأطراف ولإنجاح المفاوضات أقترح أن يتم إجرائيين وبناء على نتائجهم يتم حل المشكلة, لتنفيذهم يجب أن تُشكل لجنة تحت إشراف الأمم المتحدة من الدول الخمس الدائمة العضوية تقوم بما يلي:

1) إعادة الاستفتاء في المقاطعات الأربع التي ضمتهم روسيا مؤخراً فإذا جاءت النتائج بأغلبية الضم تبقى الحال عليه, وإذا جاءت النتائج بعكس ذلك يجب تسليمها للأوكرانيين مع بقائهم مناطق منزوعة السلاح.

2) استفتاء داخل أوكرانيا ما عدا المقاطعات الأربع حول الانضمام إلى حلف النيتو, فإذا جاء الاستفتاء بالرفض ستكون أوكرانيا منزوعة السلاح , وإذا جاءت الموافقة على الضم سيكون إجبارية نزع السلاح عن المقاطعات الأربع في حالة رفضهم الإنضمام لروسيا, وبذلك تُحل القضية الأوكرانية بجميع أبعادها.