كان الملك عبدالله الثاني بن الحسين أول من نادى بل وطالب بتطبيق الحكومة الإلكترونية على مستوى الوطن العربي، وأذكر أنه في نهاية العام ٢٠٠٤ وأثناء زيارته لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (في حينه) الريادة والإقتصاد الرقمي (حاليا)، دعا إلى ضرورة التحول إلى الحكومة الالكترونية، وحسن توظيف تكنولوجيا المعلومات بهدف تبسيط الإجراءات، والتخفيف من معاناة المواطنين، ومأسسة العمل بدلا من شخصنته، ومجاراة للدول المتقدمة السابقة في هذا الإطار، خاصة وأنها نعيش ضمن منظومة عالمية، وليس بمعزل عن العالم.
ولكن أعداء الرقمنة ولمصالهم الشخصية لا يرضيهم ذلك، فيبدد مصالح البعض الضيقة، ويكشف سوءات البعض الآخر، وينزع عن البعض الأنا الهشة.
فأعداء الرقمنة ينحصرون في ثلاثة أصناف، فهم يقاومونها، ويؤخرون ولادتها قدر استطاعتهم، ويضعون العراقيل والمبررات أمام كل متحمس لتطبيقها، حتى يخيلون اليه انها صعبة وأن طريقها وعر وأن عليها ما عليها، واعدائها الثلاثة هم:
الأول: صنف مرتش، متكسب، من الاجراءات اليدوية، إما لمكاسب مادية يتحصل عليها نتيجة مرور المعاملات من تحت يديه، فيجعل للمعاملات مضيقا لا يفتح الإ من خلاله، وبجهده، وبدهائه، فيضطر الضعاف للدفع حتى تتجاوز معاملاتهم ذاك المضيق، الرقمنة بالنسبة لهذا الصنف، سد باب واسع للرزق فهو يقاومها بكل ما اوتي من قوة، أو أنه يستخدم معاملات عباد الله وسيلة للإبتزاز وتبادل المصالح.
الثاني: فارغ من داخله، سطحي، هش، يعتقد جازما أن قيمته تكمن بمقدار، اصطفاف الناس على بابه، منهم من يرجوه، ومنهم من يوسط لديه المعارف والأصدقاء، ومنهم من يتملق اليه بفيض من الالقاب التي تسبق اسمه، فينفش ريشه، ويملأ المكان، وكيف لمثل هذا الصنف أن يدع الرقمنة تمر وتتسيد الموقف، وهو يتراجع لصالحها، فمعها تذهب مكانته، ويقل قاصدوه، وراجوه ومادحوه، لذلك فهو يجتهد في مقاومتها.
الثالث: موظف أو مسؤول ضعيف في عمله، ليس لديه معرفة بالتكنولوجيا وليس لديه القدرة على تعلمها وليس لديه القدرة على التكيف معها ومع متطلباتها، وهذا سيتكاتف مع صاحبيه لمقاومتها.
من هنا فطريق الرقمنة ليس سهلا، ومحفوف بالصعاب، ومحاط بالقلاع المتحدة على الضلال.
ورب قائل يقول إن الحكومة الإلكترونية سوف تستغني عن توظيف العنصر البشري لصالح الأنظمة الإلكترونية والبرامج المحوسبة، فنرد هنا بأن هذا توجه عالمي ولن نستطيع العيش بمفردنا أو خارج السرب، لأننا عندها سنتقادم، في ظل علم متقدم.
ثم أن توظيف التكنولوجيا يحتاج إلى موارد بشرية لتشغيلها وتطويرها وديمومتها، لكنه يحتاج الى الموارد البشرية الماهرة، المدربة، ذات الذهنية المتفتحة، والقابلة للتغيير.
من هنا علينا أن نتوافق كأفراد ومؤسسات، على ضرورة تطبيقها، بل والسرعة في ذلك، فالمحيط القريب تقدم علينا، رغم أننا السباقون، ورهاننا أن لدينا بعض من يتولون زمام المسؤولية في مختلف المواقع ومعهم من الخلص (بضم الخاء وتشديد اللام)، من يضطلعون بهذا الدور، فأنفذوا دعوة سيد البلاد، وخلصوا الناس من اعبائها، فالزمن لا يرحم، وعجلة التقدم لا تتوقف ولا تنتظر أحدا.