تحليل موضوعي لخطاب بوتين الأخير
د.حسام العتوم
04-10-2022 10:34 AM
جاء وقت الحصاد في روسيا بعد مرور عشرة شهور منذ اندلاع العملية العسكرية التحريرية الإستباقية لأقاليم شرق وجنوب أوكرانيا بتاريخ (24 شباط 2022) وبعد تحرير إقليم القرم عام (2014) عبر خطاب تاريخي هام للرئيس فلاديمير بوتين الجمعة الفائتة في قصر الكرملين الرئاسي في العاصمة موسكو بحضور حشد كبير من كبار ومختلف قادة روسيا الفدرالية الأمنية والسياسية والاقتصادية، لكن فصول الحصاد السياسي ليست واحدة في البلاد الروسية بل متعددة، والخطوة الأولى بدأت بضم إقليم القرم كما اسلفت سابقًا، والثانية بإعلان موسكو ضم الأقاليم الأربعة (لوغانسك والدونباس وزاباروجا وخيرسون)، وعملية عسكرية مضادة للجيش الأوكراني وقوات بنديرا وأزوف استهدفت بلدة ليمان الحمراء وسط مدينة (دونيتسك) المحررة من قبل الجيش الروسي، ومحاصرة أكثر من خمسة آلاف جندي روسي هناك حسب وكالة الأنباء الفرنسية AFB، وبطبيعة الحال الغرب الأمريكي على خط الجبهة عبر التصوير الفضائي وتزويد غرب أوكرانيا بمزيد من السلاح الحديث والمال الأسود، والهدف بعيد المدى إستمرارية الحرب الباردة وسباق التسلح واستنزاف روسيا وانهاكها والانقضاض عليها لكي لا تنهض، خاصة وأنها الوحيدة القادرة لوحدها على مواجهة حلف (الناتو) العسكري مجتمعا في مجال السلاح النووي، وتتفوق عليه، وقالها بوتين في خطاباته الأخيرة عندما وصل لمسامعه تهديد الغرب لبلاده نوويا. وسلاح الجو الروسي في المقابل يعمل ويشكل حلا جذريا وسط تواصل القتال.
ولعل أهم ما ورد في خطاب الرئيس بوتين هو بأن بلاده تتمسك بالنصر، وبأنها لم تتمكن من الصبر على اضطهاد جيران روسيا (الروس والناطقين بالروسية من أوكران شرق وجنوب أكرانيا)، وبأن روسيا جاهزة للحوار مع (كييف) خارج موضوع الأقاليم الخمسة (الأربعة الأخيرة والقرم)، وفسر رسالة الغرب التي تستهدف بلاده، والتي لا تريد روسيا بينما هي روسيا ومهمة للروس. ولقد حققت روسيا العظمى بقيادة بوتين هدفها عبر صناديق الإقتراع والضم ومن خلال عملية عسكرية هي أشبه بالحرب استخدم فيها نصف مليون جندي وأحدث الأسلحة البرية والجوية، ودعوة حديثة لها لإستدعاء الاحتياط لمن سبق له وأن خدم في الجيش الروسي وعمره لا يزيد عن 55 عاما مقابل تدريبه من جديد، ومن يتخلف يواجه سجنا يتراوح بين 10 إلى 15 عاما.
والآن (كييف– زيلينسكي) رفضت مشروع ضم الأقاليم الخمسة وأعلنت مواصلة القتال والإستعانة بالغرب الأمريكي الذي يصعد الحرب باتجاه أن تتحول إلى نووية خطيرة، وتحاول جر روسيا لمثل هكذا حرب مدمرة من خلال اشاعة أنها راغبة بإستخدام سلاح نووي منخفض القوة ومحدود وهو مجرد هراء وخديعة اعلامية وسياسية، وتضخيم قوة روسيا النووية كذلك، وآخر الكلام فأن قادة الغرب الذين كانوا يزورون موسكو ويوزعون الابتسامات هناك مثل ماكرون وشولتز وغيرهم هم انفسهم الذين يرسلون السلاح والمال الوفير لمحاربة روسيا عبر قفازات غرب اوكرانية . ويجتهد الغرب في بث سمومه اتجاه روسيا من خلال ادعاء تمسكه بالقانون الدولي وبكائه على استقلال اوكرانيا، وهو الغرب الذي ضغط على (كييف) بداية ومن خلال الثورات البرتقالية عام 2014 وبعد ذلك لإعاقة الحوار المباشر مع موسكو وعبر اتفاقية (مينسك) المشهورة التي كان من شأنها ضبط الأمن والاستقرار في الأراضي الاوكرانية، وبالمناسبة فإن التاريخ المعاصر هو في صالح روسيا التي تمتلك كافة وثائق احقيتها في الأراضي الاوكرانية منذ عهد فلاديمير لينين، ونيكيتا خرتشوف، وميخائيل غورباتشوف.
ومع هذا وذاك لازالت الكرة في ملعب (كييف) وعواصم الغرب وفي مقدمتها العاصمة الأمريكية (واشنطن) لكي يستبدلوا العنف والدمار بالحوار والسلام، وليس أجمل من أن يلتقي الغرب والشرق في مكان واحد خدمة للإنسان بعيدا عن التفسيرات الاستعمارية غير النافعة، ولا مكان لسيادة القطب الواحد الغربي في ظل انتشار عالم الأقطاب المتعددة العادل والمتوازن .
وخطاب بوتين ركز على مفاصل حياتية وقانونية وانسانية هامة، حيث ذكر أن انطلاقة الاستفتاء في الأقاليم التي قبلت روسيا انضمامها بدأت من المادة (1) في الأمم المتحدة، وارتكزت في عمق التاريخ المعاصر على استفتاء عام 1991 الذي استبدل الإتحاد السوفيتي بروسيا العظمى وشقيقاتها داخل المنظومة السلافية، ولقد أصبحت الأقاليم جزءا من روسيا بعد ثماني سنوات من الاضطهاد وزرع الكراهية لروسيا، ورسالة بوتينية لكييف واسيادها في الغرب بأن سكان الأقاليم أصبحوا مواطنين روسييين وإلى الابد، ودعوة صريحة لكييف من جديد لوقف اطلاق النار فورا، ورغبة روسية في إعادة بناء ما دمرته العملية العسكرية- الحرب، وبأن لا مكان للرهاب الروسي (الفوبيا الروسية) بعد اليوم، والتأكيد على أن أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت السلاح النووي في العالم في اليابان، وبأن الدولار واليورو لا قدرة لهم على إطعام العالم في ظل وجود مصادر طبيعية غنية في روسيا، والحديث بصراحة بأن ديكتاتورية النخب الغربية موجهة للغرب أولا. واختتم الرئيس بوتين خطابه الذي قوبل بتصفيق حار عدة مرات مستشهدا بالفيلسوف الروسي إيفان إيلين صاحب مقولة (إذا كنت اعتبر روسيا وطني، فإن ذلك يعني انني احب بالروسية، وأفكر وأدرك بالروسية..) .
وهاهو بابا الفاتيكان فرانسيس يدعو للسلام وانهاء العنف، وآن أوان أن يستمع الطرفان المتحاربان روسيا الإتحادية وغرب أوكرانيا والغرب الأمريكي لصوت السلام لكي لا ينقلب السحر على الساحر، ولكي لا تنقلب طاولة الحرب التقليدية الحالية إلى نووية مدمرة للبشرية والحضارات لا سمح الله، ولم يثبت العلم حتى الساعة وجود حياة للإنسان خارج كوكب الأرض، والمطلوب هو تغليب العقلانية والحوار على العنف والصدام والخراب، فمن يقرع الجرس بعدما قرعه الرئيس بوتين من وسط قصر الكرملين الرئاسي وبشجاعة متناهية ؟ دعونا نتأمل ؟ واستغرب كيف تطلب الولايات المتحدة الأمريكية من طاقمها الدبلوماسي في موسكو بعد ضم الأقاليم الخمسة المغادرة على اعتبار ان موضوع الضم غير ديمقراطي وخارج عن القانون الدولي، ولا احد يعرف ما علاقة أمريكا بصراع دائر بين غرب وشرق أوكرانيا وروسيا؟ وهل الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية عادل مثلا؟ ماذا عن قضايا اسرائيل الإحتلالية وسط أراضي العرب والموقف الأمريكي منها ؟ وهل موقف أمريكا من العراق كان سليما ؟ ومن ليبيا، ومن اليمن، ومن الخليج عبر صفقة القرن المشهورة (450) مليار دولار من فاتورة النفط العربي بهدف بيع العرب سلاح فوق طاقتهم؟ ان دول العالم الثرية والفقيرة على السواء محتاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى للمصادر الطبيعية وللسلام من أجل تعليم وعيش أفضل، وزمن وقت الحروب الأصل انه يجب أن يصبح من الماضي.