تزخر العلاقات التاريخية الاردنية العمانية بروابط عدة اخوية وسياسية، وهي تمثل نموذج للعلاقات الحضارية الممتدة ولها خصوصتها التاريخية بين الهاشمين وال بوسعيدي منذ فجر التاريخ، وكما عظمها المغفور لهما جلالة الملك الحسين الخالد بذكراه وجلالة قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، وكما يحرص جلالة الملك عبدالله الثاني واخيه السلطان هيثم بن طارق على تمتينها وربط واواصرها من خلال الزيارة التاريخية التي يقوم بها جلالة الملك لمسقط عاصمة الدولة العمانية وهي الدولة التي تزخر بتاريخ تليد سأحاول استعراضه بمناسبة هذه
الزيارة الملكية التي تسجل منطلق قويم للعلاقات الراسخة بين البلدين الشقيقين .
فلقد اشتهر آل البوسعيدي بفروسيتهم وقيادتهم وعروبتهم الراسخة الاصلية التي كانت مؤيدة من الهاشميين منذ فجر التاريخ وبرز عمقها عندما عملوا على اجتثات الفرس من الجزيرة العربية، وقد تمثل ذلك بحادثة "وليمة البركاء" التي حدثت في اواسط القرن الثامن عشر عندما دعى والي صحار في حينها احمد بن سعيد البوسعيدي قادة جيوش الفرس الى وليمة وداع بعد ان انهكهم بالحرب واجبرهم على انهاء الاحتلال قبل ان يعمد بهم بالسيف ويضمن ان لا عودة للفرس الى عُمان .
ويقوم جيشه بالخروج والقضاء على كل جنود الفرس وقادتهم واشعل السفن في حينها بمن حاول منهم الهرب عبر البحر وهي الوليمة التاريخية التي انهت الاحتلال الفارسي لعُمان، وقام من بعد ذلك بتاسيس لحكم لعائلة البوسعيدي في عمان منذ عام 1744 وحتى الان في سلطنة عُمان التي كانت تعرف بامبراطورية البحر الممتدة من سواحل الهند الى افريقيا في زنجبار وجزر القمر، كما تمتلك اراضي شاسعة من الجزيرة العربية فكانت "وليمة البركاء" منطلق لعُمان التي عنونت تاريخ استقلالها بتأييد من بني هاشم ملوك العرب وسادتها هو ما جعلهم شركاء مسيرة الدولة العمانية وسيرتها.
ويعود تاريخ نشأة المجد العماني في العصر الحديث الموثق الى مطلع السادس عشر حينما اكتشف الاوربيون رأس الرجاء الصالح ليربط قارة اسيا واوروبا عبر جنوب افريقيا، لكن ذلك اسقط بظلاله على عُمان التي كانت محكومة من الدولة النبهانية في حينها وهو
ما أغرى الدولة البرتغالية لتقوم بحتلالها عام 1507، لكن بعد نحو سبعين عام من الاحتلال خرج القائد العماني ناصر اليعربي لينجح في استعادة الموانىء والمدن المسلوبة وعلى رأسها صحار ليجبر البرتغاليين على دفع الجزية ثم جاء من بعده سلطان بن سيف اليعربي الذي اعلن قيام دولة اليعاربة عام 1642 عندما طرد آخر فلول البرتغاليين بمعركة طوى الرولة، وبعد ذلك ضعفت الدولة اليعربية وليظهر محتل جديد عنوانه الفرس فعملوا على احتلال عُمان حتى ظهر قائد عُماني بارز هو احمد بن سعيد الذي كان له الفضل في بناء تاريخ سلطة عُمان المعاصرة .
ويعود نسب احمد بن سعيد الى قبيلة البوسعيد باتصال نسب الى سعيد الهنائي في قبيلة زهران وعندما استعاد سيف اليعربي ليسند اليه مهاما في ساحل الاحساء و ولاية صحار ويذيع صيت احمد بن سعيد بين القبائل الى ان استنجد سيف بن سلطان بالفرس لتمكين حكمه، وساء الفرس الناس وقاموا بالسلب والقتل وترهيب العامة حتى قام العلماء وشيوخ القبائل باختيار امام جديد وهو سلطان بن مرشد اليعربي الذي قاد قواته لفك الحصار الايراني عن صحار لكنه قتل ليبزغ نجم احمد بن سعيد الذي قاد الجيوش العمانية وقاتل الفرس حتى ارغمهم على طلب الصلح ثم أقام "وليمة البركاء" التي ذاع صيتها، ومن بعد ذلك فتحت ابواب عُمان امام الامام احمد بن سعيد
وتم مبايعته في الرستاق العاصمة آنذاك من قبل العلماء وشيوخ القبائل اماما على عُمان عام 1744، لتنتهي دولة اليعاربة وتبدأ دولة البوسعيديين ويقوم الامام احمد بن سعيد باعادة عُمان الى سابق مجدها لتشهد تطورا اقتصاديا كبيرا ومكانة عسكرية مهمة عندما ارسل الامام احمد بن سعيد المركب العملاق الرحماني ليفك حصار الفرس عن البصرة بعهد الدولة العثمانية ليخصص السلطان العثماني خراجا سنويا من البصرة يدفع لعمان، ومن بعد هذا التاريخ توالت سلالة احمد بن السعيد المعروف بالمتوكل على الله بالحكم عبر ولده سعيد ثم جاء من بعده ابنه حمد الذي بدوره نقل العاصمة من الرستاق لتكون في مسقط ليأتي من بعد ذلك العصر الذهبي بقياد سعيد بن سلطان، لتمتد الدولة العمانية من الصومال شمالا الى موزنبيق جنوبا وبعض من ساحل الخليج واجزاء من الهند وايران الى ان دخلت بفعل النفوذ البريطاني بمرحلة اقتتال داخلي كبير استمر قرابة القرن وهو ما اثر في عهود تركي وفيصل وتيمور قبل ان يستلم سعيد بن تيمور حكم عمان الممزقة عام 1932 جراء معارك كانت قد قسمت عمان الى فدراليات بين الداخل والساحل بموجب اتفاق رعاه البريطانيبن لكن الامام سعيد لم يكن على وفاق دائم مع الانجليز ليعود التمرد الداخلي ضده في حادثة مقتل وادي مرباط وشهدت واحة البريمي تمردا من غالب الهنائي وشكل بدوره حكومة منفى بالتزامن مع خسارة عمان ولاية زنجبار اندلس عمان عام 1964 ليعود الحكم من بعد ذلك للسطان قابوس بن سعيد بعد تخرجه من جامعة ساندهيرست البريطانية العسكرية لتبدأ نهضة عمان عندما أعلنت وحدتها عام 1976 وتسهم سياسات السلطان قابوس الانفتاحية في الداخل بتشكيل نهضة تعليمية وخدماتية وصحية وتنموية وتعمل على تطوير البنية التحية، كما عمد السلطان قابوس على تشييد عمان الحديثة ومؤسساتها وينسب اليه تشييد عُمان الحديثة.
واستلم الحكم بعد وفاة السلطان قابوس بن سعيد في عام 2020 السلطان هيثم بن طارق الذي يعول عليه في احداث نهضة حقيقية بعُمان لامتلاكه مخزون ثقافي واسع وشخصية كاريزمية مؤثرة ومكانة سياسية مقدرة اضافة الى رؤية تنموية استشرافية تقوم استراتيجية عمل يعتزم البناء عليها تنفيذ محتواها الامر الذي يعول عليه باحداث وثبة حقيقية تصبح فيها مسقط دوحة الاهتمام العالمي القادمة على الصعيد التنموي وعلى المستوى النمائي .
والهاشمون الذين شاطروا البوسيعيدي سيرتهم التاريخية، يعود الأردن ليشاطر عُمان بمسيرتها التنموية والتي يحرص جلالة الملك عبدالله الثاني عبر هذه الزيارة التاريخية على تقديم الدعم الموصول لسلطنة عمان بما تستحق من عناية واهتمام فانه يتنمى لها دائم التقدم والنجاح بمسيرتها الرائدة وهو ما يجسده جلالة الملك عبدالله الثاني بهذه الزيارة التي تأكد اهمية تعزيز العلاقة التاريخية وتأصيل محتواها لاسيما والاردن تربطه بسلطنة عمان علاقات تاريخية مشتركة وتربط البلدين اتفاقات عديدة في المجالات الامنية والتجارية والصحية والزراعية والمعدنية.
ولما تتمتع به عمان من مخزون استراتيجي بالثروة الطبيعية والنفط كما في معادن النحاس والحديد تربط الاردن وعمان 19 اتفاقية تعاون مشترك في القطاعات الاقتصادية والتجارية، وقد ساهمت الكفاءات الاردنية بالنهوض بالسلطنة في مجالات التعليم والاعمار، كما عملت الكفاءات الاردنية على انشاء اول سوق مالي بالسلطنة وهذا ما جعل الاردني يشارك العماني في رسالة البناء والنهضة.
جلالة الملك عبدالله الثاني واخيه جلالة السلطان هيثم بن طارق يحرصان كل الحرص على تعزيز هذه العلاقة وتمتينها في شتى المجالات الحيوية لتبقى في خدمة الشعبين الاردني والعماني وفي رفعة الامة كما في دعم الجهود الرامية التي تدعم القضية المركزية للامة وذلك من اجل استعادة الامة لعظيم مكانتها وهي العناوين التي ارادت ارساءها هذه الزيارة التاريخية لجلالة الملك عبدالله الثاني لمسقط دوحة الملك السلطاني .