«قبل حوالي مائتين وخمسين عاما تميز مونتيسكو الذي «لقب بمنظر مبدأ فصل السلطات» بكراهية الاستبداد السياسي الذي رأى فيه وباءً يهدد بتحطيم الكيان السياسي. وقد كان لأفكاره في فصل السلطات تأثير بالغ في رجال الثورة الفرنسية عام 1789 ووثائقها ودساتيرها، وقبل ذلك ظهر أثره في الدستور الأمريكي».

لقد ورد هذا النص إلى الذهن استنباطا مما يقوم به جلالة الملك عبدا لله الثاني ابن الحسين أدام الله ملكه، من ممارسات اقل ما يمكن أن يقال عنها أنها قد تجاوزت المألوف في تعاطي مسؤولية الحكم. والقصد من ذلك هذه السنة الحسنة التي اختطها جلالته في اللقاءات الدورية مع الشعب في خارج العاصمة ، وبعيدا عن عمان.وهذا حديث سيستغرق أكثر من مقالة لتعدد المعاني والمقاصد وتنوع المفاهيم والدلالات وتدافع الأفكار والمعطيات.

قبل أن تلتئم انتخابات البرلمان السادس عشر يبدو أنه يدور في ذهن جلالته الكثير من التوجهات لإعطاء دفعة جديدة ومتميزة من العمل السياسي وصوره وأشكاله. فيها من التجديد والتغيير ما يجعلها اكبر مما يبدو على السطح أو يظهر للعيان.

وإذا كان مبدأ فصل السلطات، وهو ما أخذت به معظم الدول المتحضرة، يعني وعلى شكل مبسط تمتع كل سلطة بكامل صلاحياتها وحريتها، وان تمنح الفرصة التامة للقيام يما يوكل إليها من مهمات وواجبات.إلا أن ما يقوم به جلالته قد أعطى تلك السلطات هامشا أوسع من التحرك السليم والقوي لتكون كلها فوق المألوف وأكثر من المتوقع.

فالشعب هو مستودع العمل الديمقراطي و منبع المشاركة السياسية، وهذا يعني أن الذهاب إلى صندوق الاقتراع يعني أول ما يعني أن لكل مواطن الحق في أن يدفع بمن يمثله إلى مجلس النواب، ويوصل صوته إلى أصحاب القرار ومتخذيه. وفي حالة غياب إلتام مجلس النواب، فإن لقاءات جلالة الملك مع شعبه في الكرك والمفرق وعجلون وغيرها من الأرض الأردنية، جاءت لتقول للشعب»... انني هنا معك وحولك للوقوف على مطالبك وتلمس همومك وإيجاد الحلول الجذرية لمعاناتك، بعيداً عن البيروقراطية وتفاصيلها الرخوة.

إن مطالبك مقدسة لدي، جئت لأسمع منك وتسمع مني يا شعبي العزيز.. ولك الحق أن تدخل في قضايا الوطن وتساهم في بناء وطنك وتعزيز صموده...» نعم قطعاً هذا ما يدور في وجدان سيد البلاد.

كما إن لقاءات جلالته المباشرة مع شعبه جاءت للتأكيد على التواصل والاستماع والوقوف على الآهات والأنات لهذا المواطن أو ذاك. لقد مثلت اللقاءات الملكية هذه صورة من صور التكامل والتالف والإصرار على التعاون لحل كل ما يعترض المسيرة والبدء بالبناء على الجيد والصحيح والمتحقق.

ومثلت كذلك معنى جديدا للتواصل والمشاركة السياسية، وهذا في الواقع طرح حديث وقوي لمفهوم أن يكون الملك بين ذراعي شعبه في نفس الوقت الذي يمثل فيه رأس السلطات. حتى لا تتغول احداهما على الأخرى ولا تطغى سلطة على سلطة، وفي الوقت ذاته يستمد قوته من شعبه.

إن حرص جلالته على أن يكون قريبا من الشعب جاء على صورة تلك الزيارات المتواصلة والمتكررة إلى المواقع التي يعيش فيها المواطن، وجاءت على صورة المتابعة الحثيثة واليومية التي يقوم بها من يعملون في دائرته القريبة والمتمثلة بما نقرأ ونسمع من مدّ يد العون إلى الكثير من المحتاجين، وتوّجت بهذه اللقاءات الخيرّة الواعدة التي رسمت صورة مشرفة لمعنى السلطة ورأس السلطة والمسؤولية والمسيرة وقائد المسيرة.

almajali74@yahoo.com

الرأي