في توقيت الجوع .. الخبز أولاً
نور الدين نديم
03-10-2022 06:55 PM
(طعميني وطعمي عيالي وبعدين بنحكي)
بهذه العبارة بادرني الخمسيني المتعطل عن العمل ويعاني من الديسك والضغط والسكري ولديه عائلة تتكون من ٣ أولاد وصبيتين، كنت متحمساً وقتها وأنا أجول بين الناس أشجعهم على المشاركة السياسية الفاعلة، لكن كلمات هذا الرجل الطيب أوقفتني كثيراً، فعن أي مشاركة أتحدث والهاجس الأول عند الكادحين والمتعطلين ومن شابههم هو لقمة العيش، بينما تأتي الأشياء الأخرى مهما كانت مهمة (من وجهة نظرنا) بعدها بكثير.
فالديمقراطية والمشاركة السياسية عند الغالبية الصامتة لا تثير اهتمامهم ولا تأخذ من وقتهم المهدور والمشغول بالكد والتعب والركض خلف لقمة العيش، وكما يقولون : (المشغول لا يُشغل).
ففي توقيت الجوع لا صوت يعلو على صوت الخبز، ولا حراك يحوز اهتمام الناس أكثر من حراك الاقتصاد، الذي يتحكم في المزاج العام للشارع إيجاباً أم سلباً، بل يستحوذ على كل اهتمامهم لدرجة تُفقدهم الرغبة في الاستماع ولو شكلاً ومجاملةً، فأي صوت مهما كان عذباً وأي كلامٍ مهما كان مُنمقاً وجميلاً وعالياً لن يُغطّي على صوت "قرقرة" المعدة من الجوع.
فما بين الديمقراطية والخبز يطغى الخيار الثاني دون أدنى تفكير، وهذا ما يثير تساؤلاً قديماً جديداً أيهما أولاً الاصلاح الاقتصادي أم السياسي، أم الاثنان بالتوازي؟
من المفروض أن تكون الديمقراطية سبباً من أسباب التنمية لا معيقاً لها، وأي دولة تزدهر فيها الديمقراطية وتتسع فيها الحريات تتحول بإرادة مواطنيها إنتماءاً، وإدارة حكوماتها مهنيّة إحترافاً إلى واحة رفاهية واستقرار، وبنفس الوقت لايمكن لأي تنمية سياسية أن تنتعش إن لم يساندها إنفتاح إقتصادي ومباشرة بإجراءات تحقق حلول عملية لمشاكل المواطنين المعيشية بصفتهم محور الاهتمام ومحرك العمل في الممارسة السياسية.
ومن التناقض بمكان أن تجتمع الديمقراطية والتشريع الحامي للحريات مع التضييق والتشديد في ميدان العمل السياسي من جهة وفقدان البوصلة بتشجيع الاستثمار وزيادة الواردات والتوسع في الأصول من جهة أخرى، فلا التشريع يعطي فاعلية في ظل التضييق وعدم الانسجام مع الأجهزة التنفيذية، ولا المواطن يستطيع لوحده التغلب على عقبة البطالة والحاجة وضيق ذات اليد والتوجه للمشاركة السياسية، ولا يبرر التقصير في التخطيط والردة عن إنفاذ الوعود من جانب الحكومات المتعاقبة التعذر بفقدان مقومات التنمية وتحقيق الرخاء بسبب ضعف الإمكانيات والموارد.
حيث سينعكس كل ذلك سلباً على الدافعية لدى المواطن بالمشاركة السياسية، وعلى الأحزاب بالممارسة والفعل البرامجي المرتجى منهم، وسيعزز من حالة استقواء رأس المال (الفاسد) واستغلاله لحاجة الناس وعوزهم باستمالة أصحاب النفوس الضعيفة وشراء ذممهم.
لذلك نحن في أمس الحاجة لتنمية إقتصادية مستدامة تحقق الأمن المعيشي للمواطن، بالتوازن مع إنفاذ للتشريعات الضامنة للحريات تتوافق مع حالة التسارع في الوعي الشعبي والاحتياج الوطني لتنمية شاملة وآمنة، حتى نتوسع في دائرة المشاركة ونحسن من مخرجات العملية الديمقراطية بما يليق بوطننا وشعبنا العظيم.