حكاية التشويش وتدريب «القوات اللبنانية» !
09-10-2010 04:36 AM
أكبر عملية تضليل وافتراء جرت في خضم الأوضاع اللبنانية المضطربة والتي تتجه بسرعة الضوء نحو الانفجار هي اتهام الأردن، واتهام مصر أيضا، بالتدخل في الشؤون الداخلية للبنان وفتح معسكرات تدريب لحزب القوات اللبنانية، الذي يتزعمه الدكتور سمير جعجع، وهذا كله جاء بينما تعرضت المملكة الأردنية الهاشمية لتحرش سياسي آخر «مفبرك» ومفتعل بالادعاء أنها قامت بعملية تشويش على «الجزيرة الرياضية» مع بداية انطلاق «المونديال الدولي» في يونيو (حزيران) الماضي.
جاءت الاتهامات للأردن بالتدخل في شؤون لبنان الداخلية وتدريب 700 عنصر من حزب القوات اللبنانية، الذي يتزعمه الدكتور سمير جعجع، من قبل ثلاثة معروفين بأنهم منحازون، حتى التبعية، لحزب الله وللتحالف الإقليمي الذي يسمي نفسه «فسطاط الممانعة والمقاومة» الذي تقوده إيران ويضم بعض الدول العربية، وهؤلاء هم: مدير الأمن العام اللبناني السابق جميل السيد، والنائب السابق ناصر قنديل، وزعيم الأقلية العلوية في طرابلس رفعت علي عيد.
وحقيقة، ولأن حتى أصحاب أنصاف العقول يدركون ما يؤكد أن هذه الاتهامات باطلة ومفتعلة وأنها أطلقت خدمة لـ»أجندة» التيار الذي تقوده إيران في المنطقة، إن الأردن لا توجد له لا مجموعات ولا جماعات في لبنان وإنه دأب على التعاطي مع القضايا اللبنانية الملتهبة، خاصة في الآونة الأخيرة، من منطلق الحرص على هذا البلد الشقيق وعلى وحدته ومن منطلق أنه ظلم ما بعده ظلم أن يقحم اللبنانيون في صراعات تأخذ بلدهم نحو الحرب الأهلية مرة أخرى خدمة لـ»أجندات» خارجية، وعلى وجه التحديد «أجندة» بعض دول الإقليم التي من خلال إشعال الحرائق في بعض الدول العربية تسعى إلى الحصول على أوراق تستخدمها للحصول على أدوار في هذه المنطقة الشرق أوسطية.
لا توجد أية علاقة بين الأردن وحزب القوات اللبنانية، لا قديمة ولا حديثة، وإذا كان عدد من الزعماء اللبنانيين، من بينهم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري والدكتور سليم الحص ورئيس الوزراء سعد الحريري، قد دأبوا على زيارة العاصمة الأردنية عمان في فترات متقطعة، فإن هذه الزيارات، وهذا مثبت ومؤكد، لم تشمل لا الدكتور سمير جعجع ولا أيا من الزعامات المارونية الجديدة.
لقد كانت هناك بالفعل علاقات صداقة، ذات أبعاد سياسية إقليمية ودولية، بين الراحل الملك حسين والرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون، ولقد اتخذت علاقات الصداقة هذه طابع المساندة خلال حرب عام 1958 الأهلية وكان العالم العربي يومها منقسما بين المعسكرين الدوليين المتطاحنين: المعسكر الرأسمالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والمعسكر الاشتراكي الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي.
لا شك أن للحرب الأهلية اللبنانية في عام 1958 أسبابا داخلية فعلية، لكن مما لا شك فيه أيضا أن هذه الحرب قد شكلت إحدى ساحات التصادم وتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية التابعة للمعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والتابعة للمعسكر الشرقي الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي؛ لذلك فقد كان أمرا طبيعيا أن ينحاز الأردن إلى الطرف المحسوب على المعسكر الأول عندما ينحاز الرئيس جمال عبد الناصر إلى الطرف المحسوب على المعسكر الثاني، وحقيقة.. إن عملية الفرز هذه قد شملت الدول العربية كلها من الرباط في أقصى المغرب العربي وحتى بغداد في الشرق.
إن هذا هو واقع الحال في عام 1958، أما بالنسبة للأحداث اللبنانية اللاحقة، خاصة الحرب الأهلية الأخيرة في منتصف سبعينات القرن الماضي، فإن ما يعرفه العرب الأقرب إلى هذه التطورات كلها هو أن الأردن قد نأى بنفسه عن هذا الأمر وأنه، بعكس ما كان متوقعا، قد ساعد سورية على الصعيد الدولي لتسهيل تدخلها العسكري في لبنان الذي تحول مع الوقت إلى وجود دائم لم ينته إلا بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005.
لا يوجد أي سبب كي يتدخل الأردن أمنيا وعسكريا في الأزمة المستفحلة الآن في لبنان، فعلاقاته مع سورية هادئة وجيدة، وعلاقاته مع إيران لم تصل حدود التصادم، على الرغم من أنها تمر بفترة جمود وتوتر، والأردن الذي ينشغل في هذه المرحلة بمعالجة أزمته الاقتصادية الطاحنة وبمساندة الشعب الفلسطيني في معركة إقامة دولته المستقلة لا يوجد لديه ترف التدخل غير السياسي لا في الأزمة اللبنانية ولا في الأزمة العراقية ولا في أية أزمة إقليمية أخرى.
ولهذا فإن الاعتقاد الذي يصل حدود اليقين هو أن إثارة حكاية التشويش على «الجزيرة الرياضية» وفي الوقت ذاته دفع الثلاثة المذكورة أسماؤهم آنفا لإلصاق تهمة التدخل في شؤون لبنان الداخلية وتدريب مجموعات تابعة لحزب «القوات اللبنانية» الذي يتزعمه الدكتور سمير جعجع، لا يمكن تفسيره إلا على أنه محاولة لإشغال الأردن ومنعه من مساندة الشعب الفلسطيني في هذه المعركة السياسية الطاحنة المحتدمة التي هي معركة تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وهنا فإن السؤال الذي يضع النقاط على الحروف هو: من الجهة أو الجهات يا ترى التي لا تريد أن يكون هناك حل لأزمة الشرق الأوسط يحقق للشعب الفلسطيني مطلب إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؟! والجواب الذي لا يحتاج إلى المزيد من الأدلة والبراهين هو: إنها إيران، وإنها هذا التحالف الذي يصف نفسه بأنه «فسطاط الممانعة والمقاومة» والذي يشكل فيه حزب الله رأس الجسر المتقدم في هذا الجزء من المنطقة.
ثم إن ما تجب ملاحظته هو أن إلصاق هاتين التهمتين المفتعلتين بالأردن قد جاء في إطار تطورات متلاحقة، من بينها إصدار مذكرة «قضاء» سورية بملاحقة ثلاثة وثلاثين لبنانيا، على أنهم شهود زور، جميعهم من المحسوبين على جماعة «14 آذار» المناهضة لحزب الله ولإيران، وغالبية هؤلاء من الطائفة السنية المستهدفة من قبل ما يسمى «فسطاط الممانعة والمقاومة» وهذا كله يدل على أن هناك انقلابا على المصالحة التي تمت خلال قمة الكويت الاقتصادية الشهيرة وأن أصحاب هذا «الفسطاط» عادوا إلى تسميم الأجواء العربية وإلى مواصلة سياسة الفرز على أسس ذات نكهة مذهبية واضحة لتنفيذ «أجندتهم» المعروفة في هذه المنطقة التي يرى هؤلاء أنهم يجب أن يصبحوا الرقم الرئيسي في معادلتها الرئيسية الجوسياسية.
عن الشرق الأوسط اللندنية.