"جزة" تسمية لا يعرف مصدرها إلا من أجاد المسير واستخدم الحبال للنزول من أعالي المقاطع.
بعد إتمام الغداء في بانوراما البحر الميت، المُطل المذهل على بحر الملح، وإنهاء الجولة في متحف الجيولوجيا هناك المعروف بمتحف تاريخ تكوين المملكة، ومن منتصف الطريق الهابط منه باتجاه البحر، أخذنا دربنا باتجاه الشمال نحو وادٍ قد استحدث اسمه ممن شاهده باسم "جزرة" وهو طريق بين صخور سوداء تكاد تشتعل مما اكتسبته من حرارة النهار والذي سرعان ما تفقدها مع غياب الشمس كأنها مخزن للطاقة وإشعاع للعابرين من خلالها، وفوقها نحو غايتنا بداية الوادي والانزال الأول بحوافة الملساء الضيقة والمنفذ الوحيد لقلب شق الوادي الضيق بين جبلين ناف ارتفاعهم عن المائة متر.
انه انزال يحتاج مهارة مع تقيد بإرشادات القائد في الاتجاه نحو الجهة الأسهل والأكثر أمانا، والابتعاد عن الشق الضيق بارتفاع قارب من خمسة وثلاثين متر، والذي أوصلنا لمساحة محصورة أول ما يشدك فيها النظر لأعالي الطود المشقوق بفعل جريان الماء الذي يشتد في فصل الشتاء، والقادم من أعالي الجبال عبر آلاف السنين، حيث تكوّن في شقه بين الأخشبين لشكل أقرب ما يكون بشكل الجزرة، ولهذا السبب تمت تسميته.
وبعد منه بمسافة بسيطة كان انزالنا الثاني بارتفاع خمسة وثلاثين متر على مرحلتين؛ الأولى تعلق هوائي نحو مساحة يمكن المسير عليها للمرحلة الثانية دون تغير مرابط التثبيت كونها تعتبر مرحلة واحدة أخذتنا لهبوط أقرب ما يشابه بالنزول على درج حاد فوق مناشير سداسية تفسخت بفعل توالي التبريد المفاجىء، وما ميز هذه المرحلة الصخرة المعلقة أعلى منا بلونها الأحمر القاتم.
ثم كانت استراحة الغروب بجانب بركة تجمع مائها من عين قريبة بوسط الأخدود وما نبت حولها من نخيل، ليكون هناك مشهد وداع الشمس وهي تغيب بقرصها الذهبي بين جبال بيت المقدس، والخليل أرض الأنبياء والرسل وانعكاسها على البحر وبركتنا الصغيرة.
وما إن حلّ الظلام حتى استئنفنا مسارنا لإنزالنا الثالث والرابع معتمدين على أضواء الرأس للنزول بجنح الليل، حيث أحدها وصل للثلاثين متر والآخر أقل منه، فوق صخور كلسية تشبعت بملح بحر زقر قبل أن يجف لمستواه الحالي، بتجربة جديدة بعيدة عن مخاطر الإصابة لسهولة المسار ونباهة القائد بمسافة إجمالية بلغت ثلاثة كيلو مترات.