الملاحقون قضائياً .. أرقام مفزعة ولكن؟
عمر عليمات
03-10-2022 12:50 AM
أرقام مفزعة تلك التي أعلنتها الحكومة عن عدد الملاحقين على قضايا ديون مدنية، والذين وصل عددهم إلى 152 ألف ملاحق، باستثناء القضايا المتعلقة ببدل الايجار والقضايا العمالية، والذين لم يتم حصر أعدادهم حتى اليوم.
قضايا الحقوق المادية بين الناس قضايا لم تعُد مجرد قضية بين دائن ومدين، بل أصبحت أداة من أدوات تفسخ المجتمع وتهديد لنسيجه الاجتماعي، فكما أن هناك مُعسرا استفاد من أمر الدفاع وقانون التنفيذ هناك مَن رأى فيهما منفذاً لأكل حقوق العباد والتسكع أمام الدائن من منطلق «أعلى ما في خيلك اركبه».
القضايا المالية مؤرقة فعلاً للمجتمع، ولم يعُد أحد يفرق بين المتعثر حقاً وبين آخر استمرأ الديون وعدم السداد، فكلاهما أمام القانون سواء، إذ أن وضع القوانين دون وجود آليات قادرة على إثبات التعثر المالي أدت إلى بروز مشكلة حقيقية في علاقات الناس مع بعضهم البعض، فأحياناً تكون الأمور واضحة وضوح الشمس بأن الأمر لا يتعدى عملية نصب وأكل للحقوق ولكن لا يوجد ما يثبت ذلك، ويبقى الجميع يدور في ذات الدائرة إلى أن يحدث ما لا يحمد عقباه فلا أحد سيصبر طويلاً على سرقة أمواله جهاراً نهاراً ويبقى صامتاً.
المشكلة ليست في أصحاب الديون الكبيرة التي تزيد عن 5000 دينار، فهؤلاء في الغالب ممن لديهم معاملات تجارية ومالية، ولكن المشكلة الحقيقية في الديون الصغيرة وهي بين الناس العاديين، وهنا تكمن المشكلة فقد يلجأ البعض إلى طرق غير قانونية لتحصيل أمواله خاصة في حال علمه التام بأن المدين قادر على السداد ولكنه يماطل استغلالاً للقوانين، وكأن القانون وجد لحمايته وتشجيعه على التعدي على حقوق الناس.
هي قضايا موجودة في مجتمعنا وأصبحت منتشرة بشكل لا يمكن إنكاره، وتجاهل مثل هذا الأمر عواقبه وخيمة على المجتمع، وسيؤدي إلى مشاكل أكبر بكثير، فما يجرى ببساطة هو حل مشكلة التعثر المالي على حساب الناس، فعلى سبيل المثال مَن لديه عدد من المحال أو الشقق المؤجرة ليس بالضرورة من الأثرياء وقد يكون إيراد هذه العقارات مصدر دخله الوحيد، وسيصبح هو بحد ذاته متعثرا جديدا يضاف إلى قائمة المتعثرين نتيجة عدم قدرته على تحصيل أمواله.
وما يجري اليوم هو خلق طبقة جديدة حاقدة لكون حقوقها أصبحت مهدورة بقوة القانون، فالحديث عن منع السفر والتصنيف الائتماني قد يكون رادعاً لرجال الأعمال والتجار ممن ستضرر أعمالهم نتيجة هذه الأدوات، أما غيرهم فلن تكون هذه الإجراءات أكثر من ذر للرماد في العيون.
باختصار، فإن ترك الأمور على هذا النحو لن يفضي إلا إلى زيادة منسوب الغضب ، وعلى الحكومة البحث عن وسائل ضامنة لحقوق الناس وأدوات قادرة على التفريق بين المتعثرين حقاً وبين الآخرين ممن استمرأوا أكل أموال الناس بالباطل.
الدستور