المدن والأمن المروري والسلطات المحلية في الأردن
أ.د. محمد الفرجات
02-10-2022 11:06 AM
تعد منظومة النقل بالمركبات الخاصة والعامة داخل المدن في العالم شريان الحياة اليومي، فلا يمكن وبأي حال الإستغناء عن التنقل بين الأحياء والتجمعات السكانية والأسواق في المدينة الواحدة؛ فالمدارس والجامعات والكليات والمعاهد ومواقع العمل المختلفة والمحال التجارية كلها تنتظر روادها في كل صباح، بينما تنتظرهم بيوتهم بعد ساعات الدوام.
النقل لغايات التوصيل سواء للركاب أو البضائع أو المواد أمر يومي وعلى مدار الساعة لا يتوقف، وله ذروات تجعل من بعض النقاط والشوارع تعاني الإزدحام، وغالبا وفي بعض مدن العالم الثالث حيث سوء التخطيط والتخبط، يسود مشهد التلوث بغازات العوادم والضجيج والإختناقات المرورية والحوادث.
حقيقة فالسلطات المحلية من بلديات وهيئات مستقلة وأمانة ودائرة السير ومديريات الأشغال العامة، كلها ذات مسؤولية مشتركة في تأمين واقع مروري سلس آمن بلا منغصات.
ما نعانيه يوميا في مدننا الأردنية بسبب مشاكل النقل والتنقل الداخلي له أسباب عدة:
تخطيط المدن وتخطيط إستعمالات الأراضي لدينا فيها لا يعكس كثيرا مدنا قابلة للنمو، بل تكثيفا سكاني في الحي الواحد ينتج عنه ضغطا على الطرق والشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي لتكاد أن تنفجر، وتتعدى طاقتها الإستيعابية أضعافا فتتهالك قبل عمرها الإفتراضي.
داخليا فالضغط الكبير الواقع على الطرق والشوارع يعود لعدم وجود رؤية تستشرف المستقبل لجعل تزايد عدد السكان أمرا يقابله طرقا تستوعب ذلك فتبدو ضيقة تختنق بالسيارات.
الطرق لدينا في المدن الأردنية لا تعكس كثيرا لمسات هندسة مرور آمنة وفق المعايير هدفها حماية الأرواح ضد الحوادث، لا بل أن لدينا مهندسين وصانعي قرار يغضون البصر عن مقاتل في تحويلة ويوتيرن وتوقف وغيرها، مع أنهم سبب سوء التخطيط والتنفيذ، يضاف لذلك سوء تخطيط الشوارع والطرق وعدم وجود أقسام تعنى برسمها وتنفيذها وفقا للمعايير الهندسية المرورية؛ ضيق الشوارع مثال.
غياب منظومات النقل العصرية من حافلات وقطارات كهربائية داخل المدن والأحياء، فما يحمله القطار من مئات الركاب ويخفف به عناء الصغط على الشوارع في مدن العالم، تجد مقابله لدينا مئات السيارات تسير.
عدم شمولية الرقابة بكاميرات مدعمة بكودات ذكاء إصطناعي لكشف المخالفين، أمر يدعو هؤلاء لعدم إحترام قواعد السير، وهذه يتوجب على السلطات المحلية تركيبها في كل الشوارع والأحياء والنقاط الخطرة.
سوء إدارة النقل الخاص في مدننا؛ فسيارات التكسي تدور في الشوارع بحثا عن الركاب، والحافلات تنطلق وتتوقف بلا موعد ولا أماكن مخصصة للإصطفاف، وقد تصل وقد لا تصل والأمر يتعلق بالحظ فقط.
غياب صيانة الطرق وتجهيزاتها المرورية من شواخص وعاكسات وإعادة تعليم دهان خطوط المشاة وسير المركبات ودهان الكندرين... إلخ.
غياب دراسات السير الداخلي والأمن المروري بشكل دوري، ففي مدن العالم يتم تقييم المرور والسير وسلامة الطرق وتجهيزاتها دوريا، وتصدر التقارير وتناقش في الأقسام المعنية، وتصدر التوصيات فينتج عنها إجراءات تنفيذية مختلفة لتحسين وتطوير الواقع المروري والرقي به.
لدينا الأمور إلى حد ما غير منظمة ولا يوجد مرجعية تعنى بذلك لتقيم وتقوم، فما زال سائق البك أب يقفز بعنجهية على رصيف المشاة أمام المدرسة ويهدد حياة الطلبة، بينما سائق باص الميكرو يصطف في وسط الشارع، نعم في وسط الشارع، فيفتح باب الصندوق ليتناثر من باصه المتهالك ٢٧ طفلا من الأبرياء بين السيارات المزدحمة في وسط طريق ضيق ليصلوا مدرستهم .
لا يوجد إهتمام حقيقي وكلنا نتحمل المسؤولية... وكلنا نتذمر والأمور تتفاقم إن بقيت بلا حلول، بينما العالم يتجه لتشييد المدن الذكية ويتطور في كل الجوانب؛ ونجد عندهم مدنا عصرية حديثة قابلة للحياة والنمو مزدهرة جميلة، رفيقة بالمشاة صديقة للبيئة داعمة ومحفزة للإستثمار بالأعمال والإبتكار والريادة، وأهم من ذلك يجد فيها المواطن سبل الرفاه، لا أنقاضا وسط الأحياء وبنى بلا صيانة.