على الرغم مما يقال: التنوع غنىً، والاختلاف رحمة، والتعددية قوة! لكننا كلنا ضد ذلك. كل المجتمعات ذات اللون الواحد انتفضت وتحررت، مجتمع الوهابية تغيّر، ومجتمع الخمينية يتوق، ومجتمعنا يسير مسرعًا نحو الخطاب الواحد واللباس الواحد والسلوك الواحد والفكر الواحد والنموذج الواحد.
إذا دخلت مدرسة لا تجد تباينًا لا في الشكل ولا في المضمون هناك نسخة واحدة طُبِع منها مئات وإذا تمرد قميص أو لون أو سؤال تمّ إلغاؤه فورًا وإذا دخلت موقعًا اليكترونيًا وجدت جملة واحدة وفكرة واحدة تم شرحها مئات المرات، فلا مجال للاختلاف وإلّا هاجموك أو فصلوك.
وإذا فتحت محطة تلفزيونية تسمع وتشاهد فيها ما شاهدته في المدرسة: خطاب موحد يدعم خطاب المدرسة، ويلهم زعماء المواقع! خطاب واحد إقصائي عدواني لا يقبل اختلافًا.
وإذا مات مفكر منفتح تسمع نفس الشتائم الذي قالها أو لم يقلها مالك في الخمرة. وإذا فكرت في كتابة مقالة فإنك لا تفكر إلّا في عدم حصول الهجمة العدوانية عليك، فبدلًا من أن تفكر فيما ستكتب سيذهب اهتمامك إلى ما لا تستطيع أن تكتب!
وإذا صار حفل فني تسمع نفس الشتائم حرصًا على أخلاق المجتع. حتى قانون الطفل تم اتهامه بالانحلال والمثلية ودمار الأسرة.
إذن لون واحد وخطاب واحد وحدود ضيقة جدًا مدعوم بتناسق إعلامي ومجتمعي ورسمي! فأين المفر؟ الفكر الواحد الإقصائي أمامك، ومختطفو المجتمع فوق قلمك والمجتمع نفسه على نفَسِك. والحكومة فوق رأسك! فما مساحتك؟
لا يستهين أحدًا بهذا، فقضايا اللباس وحدها سببت سلسلة من الأزمات: لباس معلمة لم يعجب المديرة فأعادتها إلى منزلها.
لباس منقّبة لم تعجب مديرة فهددتها وحافظت المعلمة على قداسة نقابها.
لباس ممرضة مخالف قادها إلى الاستقالة دفاعًا عن شرف لباسها بعد أن وصل التوتر ذروته، ولباس معلمة أخرى لم يعجب المعلمات فتراكضن لكسب الأجر معها ومنها.
هذه ليست مشكلات اللباس بل مشكلات الخطاب الواحد واللون الواحد. خطاب الانغلاق والكراهية والعدوان والحقيقة الواحدة، والحلول الجاهزة، والمناهج التلقينية، وقيم الكراهية المدعوم بتجاهل السلطة أو حذرها أو خوفها من فارضي اللون الواحد.
لا أريد أن أقول إن مجتمع اللون الواحد والفكر الواحد والنقاب الواحد واللباس الواحد واللون الواحد بجوارنا وجد من يحميه وينقذه ويرفع عنه سطوة مختطفيه، بل وشجعه على التنوع والانفتاح والثقة بالذات! فهل سيجد مجتمعنا من سيحرره من الاختطاف والأسر!!!؟؟
هل من أمل؟