حديثي اليوم ليس عن مستشفى الأمير علي العسكري كمؤسسة طبية، وإن ما أود الإشارة اليه كنموذج لنهج إداري وتعامل إيجابي وناجح من قيادة القوات المسلحة، ليس مع الجنود، بل مع المواطنين ايضا. فالمستشفى مؤسسة خدماتية. وفي منطقة مثل محافظة الكرك، فإن نسبة كبيرة من مواطني المحافظة يدخلون المستشفى مرضى أو زوارا أو مراجعين.
وحكاية المستشفى ليست حكاية فريدة؛ بل هنالك حكايات أخرى في محافظات المملكة، لكن نموذج مستشفى الامير علي اقتربت منه بشكل كبير. والعبرة بنوعية المسؤول الذي يفهم القدرة على الخدمة، فيقدمها بشكل يخدم كل الناس، وتنعكس بشكل مباشر على حياتهم. ولهذا، فمن السهل أن تسمع من ابناء الكرك حديثاً ايجابياً ومديحاً لمستوى الخدمات والاجهزة التي يقدمها المستشفى، ويرجعون الفضل، بعد الله تعالى، الى قيادة الجيش؛ حتى ان بعض ابناء المحافظة يعتبرونه في وضعه الحالي يضاهي الخدمات التي تقدمها مدينة الحسين الطبية؛ بل ان كثيراً من الاطباء اصحاب الاختصاص لهم ايام دوام في مستشفى الامير علي، ومن المؤكد في المستشفيات العسكرية الاخرى، بحيث لا يشعر المواطن ان نقصاً في الكفاءات موجود.
مرة أخرى، فالقضية ليست المستشفى او أي مؤسسة اخرى. ولا اريد القول إن المستشفى العسكري في الكرك وصل الى قمة الخدمات، لكنني اذكر هذا كمدخل الى نوعية التفكير. فالمسؤول الذي يتعامل بعقلية وطنية، ويشعر بحاجات الناس، وبدلاً من ان ينشغل في زيادة امتيازاته يفكر بشكل يعمق نوعية الخدمة؛ هذا المسؤول الذي يؤدي واجبه يكون عوناً للملك، ومصدر قوة للدولة. اما المسؤول الذي لا يؤدي واجبه، وينهمك بموقعه، وكيف يحافظ عليه، او كيف ينتقل الى ما بعده، فإنه يتحول الى عبء على الملك، ويتحول الى ثغرة في جدار الدولة وبنائها.
عند تشكيل أي حكومة، أو تعيين أي مسؤول، يتم النظر الى الجغرافيا ومن اي محافظة هو. ويرتاح الناس اذا جاء رئيس وزراء او وزير او مسؤول كبير من محافظتهم، لاعتقادهم انه يخدمهم. لكن محافظات عديدة جاء منها رؤساء حكومات، ووزراء، ومدراء كبار، ولم يقدموا لمحافظاتهم ولا لمحافظات اخرى نقلات نوعية. فالقاعدة الاساسية هي ان المسؤول الناجح والحريص على خدمة الناس، و"تبييض" وجه الدولة امام الاردنيين، يخدم محافظته والمحافظات الاخرى، ولهذا تجده محترماً اينما ذهب، يلمس كل الاردنيين عمله واخلاصه لعمله ودولته.
عندما يكون المسؤول مهموماً بخدمة الاردنيين، واداء امانة واجبه، فإنه ان كان ابن محافظة اربد، مثلاًً، سيخدم اربد وعجلون ومعان والكرك والمفرق، وسيجد ابناء محافظته لمسة لعمله في محافظتهم كما يجد ابناء المحافظات الاخرى ايضاً ذات اللمسة. وهنا نتحدث عن الخدمات العامة التي تنعكس على حياة الناس. اما المشغول بنفسه، فحتى لو كان من محافظتي او مدينتي، فإنني كمواطن لن ألمس على حياتي وحياة الناس اي خدمة نوعية، لأن الفائدة التي يسعى اليها ذاك المسؤول هي امتيازات وثروة، و"تزبيط" للمحسوبين عليه ومجموعته من الاصدقاء والاقارب.
مشكلة ابناء اي محافظة ليست في ان يكون منهم رئيس او وزير او مسؤول رفيع، فبعض المحافظات جاء منها كل انواع المسؤولين، لكنها مازالت نموذجاً للفقر وتردي الخدمات، بل وحتى الافتقاد إلى الاساسيات من طرق وغيرها. لكن مشكلتنا جميعاً كأردنيين حين يأتي مسؤول -بغض النظر عن محافظته- لا يخدم الا نفسه على الأغلب. لكن من يؤدي واجبه، فسيشعر الجميع بإنجازاته واخلاصه، ولن يصل للملك من وراء عمله الا الخير وارتياح الناس، اما من يعمل لنفسه فسيحتاج الى من يبرر و"يرقع" افعاله.
تخيلوا لو ان كل مسؤول يقوم بواجبه، فهل كنا سنسمع عن مشكلات في اصل الخدمات واساسياتها؟ وهل كان هنالك ظلم او فساد او تمييز؟ لكن عندما لا نؤدي واجباتنا كمسؤولين، سنسمع عن غياب للخدمات، وفقر متجذر، ومشكلات لم تكن تحتاج الى القرن الحادي والعشرين لحلها.
ليست المؤسسة العسكرية جذر الدولة وجزءاً اصيلا من هويتها ومصدر الاستقرار والامن فحسب، بل هي تقدم لنا نماذج في نوعية المسؤول الذي يدعو له الناس لإخلاصه في العمل، لانه يفهم ان الانتماء للاردن والولاء للملك عمل وخدمة لكل الناس. ومرة اخرى، فالحكاية ليست مستشفى الامير علي، بل هو مثال على نماذج في كل مناطقنا الأردنية.