مشهد إعلامي مؤسف .. أعيدوا البوصلة
د. أشرف الراعي
29-09-2022 12:37 PM
يعيش كثير من الإعلام حالة من التراجع والتراخي "المؤسف" والانفلات من الضوابط القانونية والأخلاقية التي يفترض أن تكون أساساً مرجعياً لكافة وسائل الإعلام فيما تنشر سواء في وسائلها التقليدية أو الإلكترونية أو عبر منصاتها الرقمية على مواقع التواصل الاجتماعي.
والسبب في ذلك ليس تعدد المرجعيات الإعلامية فحسب، أو وجود عدد كبير من النصوص القانونية الناظمة للعالم الإعلامي والصحافي، أوعدم اتخاذ نقابة الصحفيين الأردنيين الإجراءات اللازمة بحق كل من يعرف عنه نفسه بأنه صحفي وهو ليس كذلك، بل أيضاً بسبب الاختراقات التي أحدثتها مواقع التواصل الاجتماعي في حياة الناس، سواء من حيث خرق حرمة حياتهم الخاصة، أو من حيث نشر الإشاعات، وكل ذلك يتطلب ضبط هذا بتعديلات كبيرة على قانون الجرائم الإلكترونية وغيرها من القوانين الناظمة للعمل الصحافي والإعلامي.
لي موقف قانوني من قانون الجرائم الإلكترونية، وموقفي لا ينطلق من معارضته بقدر ما ينطلق من ضرورة تعديل نصوصه لتكون مُحكمة ولتحكم مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت بمثابة ساحات للتناحر والإساءات الشخصية، والخروج على الضوابط الأخلاقية التي تحكم مجتمعنا الأردني.
وقد كتبت في هذا القانون العديد من المقالات والدراسات البحثية والأكاديمية، فيحكم هذا القانون هذه المنصات من جهة، فيما يلعب قانون المطبوعات والنشر دوره الفاعل في تكريس الحماية القانونية والأخلاقية في ظل وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية التي أصبحت بعد العام 2012 تعامل معاملة الصحف والمطبوعات، بعد قرار نوعي لمحكمة التمييز الأردنية.
نحن اليوم بحاجة ماسة إلى مراجعة كل المنظومة الأخلاقية والإعلامية، ابتداءً من قانون المطبوعات والنشر وإدماج الإعلام مثل الإذاعات ووسائل التلفزة وكذلك قانون نقابة الصحفيين الأردنيين، وقانون حق الحصول على المعلومات وقانون الجرائم الإلكترونية وحتى قانون العقوبات فيما يتعلق بقضايا النشر، بما يعزز من حرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في المادة 15 من الدستور الأردني من جهة، ويضبط النشر بضوابط قانونية وأخلاقية ملتزمة لا تسيء للمجتمع وأركانه من جهة أخرى، فضلاً عن عقد العديد من الاتفاقيات الدولية الفاعلة في هذا المجال لضبط الإساءات التي تنطلق من خارج المملكة من دون دليل أو سند قانوني، وكلها تصب في إطار الإساءات والاتهامات الباطلة.
ومن هنا فقد أشرت سابقاً إلى أن التشريعات القانونية الناظمة لحرية الصحافة لم تكن يوما ككل قواعد القانون الجنائي أو الدستوري، بل بقيت هي الأكثر خلافية والسبب في ذلك أنها لا تعود بمجملها إلى قواعد التجريم فحسب، بل تندرج ضمن قواعد الحرية في الرأي والتعبير والمسؤولية في النشر وحق الإنسان في حياته الخاصة وغيرها من التفاصيل الحقوقية ومبادئ العدالة العليا .
كما أن التشريعات الناظمة لحرية الصحافة والإعلام في الأردن تتجاوز الـ 30 قانوناً وكلها قوانين - وهنا لا أذيع سراً – قديمة وبحاجة إلى إعادة مراجعة لقدمها وعدم مجاراتها للتطورات الحاصلة في الإعلام والصحافة ابتداء من انتشار المنصات الرقمية وليس انتهاءً بأنظمة الذكاء الاصطناعي التي أصبحت تحل محل الورق في كثير من الأحيان، وهو ما يدعو المؤسسات الإعلامية أيضاً إلى تطوير أدواتها أيضاً، لكن قبل ذلك كله، نحن اليوم بحاجة إلى "ثورة متكاملة" في إعادة صياغة القوانين الناظمة للإعلام.
نحن بحاجة إلى إعادة البوصلة لمسارها الصحيح.