معهد الإدارة العامة وأجندة التحديث الإداري
د.عبدالله القضاة
28-09-2022 07:54 PM
ننظر بإيجابية لسلسلة اللقاءات الحوارية التي ينظمها المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول خطة تحديث الإدارة العامة؛ وله الشكر في دعوتي للمشاركة في فعالياتها المهمة، والذي يعزز هذه الإيجابية أنها هذه الحوارات يقودها وزير التخطيط؛ الذي أصفه بالمستمع الجيد والمحاور الصريح والجريء، وكون لكل امرء من إسمه نصيب؛ أملنا كبيرا بإن يكون ناصرا لمعهد الإدارة العامة، وإني أستذكر موقفه المشرف في دعم المعهد في عام 2017 عندما اتخذ قرارا جريئا بالموافقة على فتح فرع له في حرم سلطة منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة إبان رئاسته المتميزة لها.
بناء قدرات موظفي القطاع العام يشكل مدخلا رئيسا في اصلاح هذا القطاع واستدامته ، ولا يمكن أن يتحقق ذلك من غير إعادة الاعتبار لمعهد الإدارة العامة الذي أسس قبل نصف قرن من الزمان لهذه الغاية ؛ وكان في العقود الثلاث لتأسيسه محجا لمعظم الدول العربية في تقديم التدريب والدراسات والاستشارات إضافة الى دوره المتميز في إضفاء الهيبة لمؤسسات القطاع العام الوطني نظرا لما كان يتمتع به خريجة من الكفاءة والاقتدار!!!.
في عقود لاحقة تراجع دور المعهد ؛ وتراجع الاهتمام بالتدريب والتأهيل ، وأصبحت مؤسساتنا تتجه صوب التدريب الشكلي والشهادات التي يسهل الحصول عليها من جهات غير مؤهلة وبعيدا عن معايير الجودة لتلبية المتطلبات السلبية للخصخصة او لتنفيع أصحاب "البزنس" بعيدا عن أي اعتبارات وطنية ؛ وبدعم من بعض أصحاب القرار السابقين؛ الذين وجدوا ذلك فرصة للثراء غير المشروع عبر شركاتهم الاستشارية!!!.
وبين الفينة والفينة ، كانت تأتي إدارات وطنية لإعادة الاعتبار للمعهد ؛ ورفع مستوى اداءه وجودة برامجه ، الا ان هذه الإدارات سرعان ما كانت تتعرض للإقصاء لأهداف لا داعٍ لنشرها.
ان من أهم المشاكل التي يعانيها المعهد ، الغاء شخصيته الاعتبارية باستبدال قانونه القوي بنظام هزيل واستبدال مجلس ادارته بلجنة توجيهية بصلاحيات ضعيفة ، ناهيك عن حرمانه من المخصصات المالية الكافية التي تمكن إدارته من استقطاب الخبراء والكفاءات بالشكل المنافس؛ حيث غدا كاليتيم الذي يعيش مع زوجة أبيه!.
في الدول المتقدمة؛ يتم تخصيص من( 3-5%) من إجمالي رواتب العاملين لغايات الإنفاق على برامج التدريب، ولا أريد أن أذكر المبلغ المخصص في موازنة الدولة لتدريب موظفي القطاع العام؛ فالدين أمر بالسترة؛ ولكن حتى نحقق الرؤية الملكية في تحديث الإدارة العامة؛ علينا أن نركز على القوى البشرية التي هي أساس هذا التحديث، ومن هذا التركيز؛ علينا أن نتجاوز حد الكفاف في الإنفاق على التدريب؛ وعدم الإكتفاء بالبرامج الخاصة بالترفيع وصولا إلى التأهيل الشامل لجميع موظفي الحكومة ضمن مسارات تدريبية متخصصة ومتكاملة؛ وهذا يتطلب إنفاق كافي للإرتقاء بمستوى أداء العاملين وتحسين البيئة الإيجابية في عملهم.
والتساؤل الموجه لمعالي الدكتور ناصر الشريدة بصفته المسؤول عن هذا الملف، وكلنا ثقة بأنه على قدر هذه المسؤولية؛ ألا تعتقد أن المملكة الأردنية الهاشمية تستحق أن تمتلك صرحا متميزا على المستوى العربي والإقليمي، يكون بيتا للخبرة النوعية في التدريب والإستشارات والبحوث الإدارية يتزامن مع ولوجها المئوية الثانية من عمرها؟ وهل تقبل أن يحرم المعهد من تقديم أي إستشارة إدارية أو دراسة منذ عام 2002 وحتى تاريخه؟ علما أن جميع خبراء الإدارة الأردنية يضعون أنفسهم تحت تصرف المعهد؟ وبصفتك وزيرا للتخطيط والمعني بتنظيم عمل الجهات المانحة، هل يعقل أن تحتكر معظم هذه الجهات كافة الأعمال الإستشارية المقدمة للقطاع العام بعيدا عن خبراء المعهد ، فلماذا لاتعمل هذه الجهات في تنفيذ هذه الأعمال بالتنسيق لابل، تحت إشراف المعهد المباشر؟!.
لا يقبل أي مسؤول منتمي مايحدث لهذا المعهد ، وبما أن الوزير يقول: نريد تجويد مخرجات لجنة التحديث، نقول له: الفرصة سانحة لإصدار قانون لمعهد الإدارة العامة، أسوة بمعاهد الإدارة المتميزة، مثل معهد الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية الشقيقة، والمعهد الملكي للإدارة في بريطانيا، والمدرسة الوطنية للإدارة في فرنسا، وأن يعطي القانون الشخصية الإعتبارية للمعهد ويضمن حوكمة رشيدة له من خلال مجلس أمناء يمثل الحكومة والقطاع الخاص والمعنيين ويرتبط رئيسه برئيس الوزراء.
كما نقترح منح المعهد الإستقلال المالي والاداري وصلاحية منح درجات علمية ومهنية متخصصة بالادارة الحكومية التطبيقية بالتعاون مع الجهات المعنية ، إضافة إلى تطبيق مبدأ التسعير المرن وعقد اتفاقيات شراكة مع الحكومات العربية إضافة للمؤسسات المحلية، وبما يضمن الحصول على الإيرادات الملائمة لبرامجه المختلفة.
وحتى يسهم المعهد في دعم الشراكة مع مراكز التدريب المتخصصة في القطاعين ، والارتقاء بجودة خدماتها المقدمة بهذا المجال ، يعطى المعهد صلاحية منح الاعتمادية لهذه المراكز ليكون مظلة وطنية للتدريب والاستشارات والدراسات الحكومية، وتنظيم وضبط جودة الجهات التي تقدم هذه الخدمة.
ويتطلب تمكين المعهد أن ينص في قانونه المقترح على إلزامية الدوائر في اعداد خطط تدريبية تتوافق مع الاحتياجات التدريبية لموظفيها لينفذها المعهد بعد اعتمادها من هيئة الخدمة المدنية تمهيدا لتنفيذها بالمعهد والجهات التي يعتمدها من القطاع الخاص ، إضافة الى منح المعهد صلاحية المشاركة في اختيار القيادات الادارية الحكومية بمختلف مستوياتها لضمان النزاهة والجدارة وتكافؤ الفرص .
ولضمان جودة التدريب وإنعكاس نتائجه على مستوى أداء العاملين، وبالتالي التأثير الإيجابي على أداء المؤسسات العامة، يتطلب الأمر تكليف وحدات التطوير المؤسسي في الدوائر وبإشراف هيئة الخدمة العامة والتطوير المقترحة تطوير وتطبيق منهجية لمتابعة وتقييم وقياس الأثر التدريبي بشكل دوري وتقديم التوصيات اللازمة للتحسين المستمر، وهذا إن تم؛ سيعيد الألق للإدارة الأردنية ويعود المعهد كرافعة رئيسة لتحديث الإدارة الأردنية وتوفير البئية الداعمة للقطاع الخاص أيضا.