" الحلقة االرابعة عشرة "
كان لعرب اليمن والجزيرة العربية صلات تجارية منذ أقدم العصور ببلاد الشام ، فقد عقد القرشيون معاهدات تجارية مع بيزنطة وفارس واليمن والحبشة ، فوصلت قوافلهم إلى الهند والصين والبحرين والحبشة وبلاد الزنج ، عبر الطريق التجاري البري الذي يشق بلاد العرب من الشمال إلى الجنوب ، مرورا بمكة وتيماء والعلا وانتهاء ببصرى ، وكانت هذه القبائل تعبر منطقة البلقاء في شرقي الأردن ، سالكة طريق تراجان المعبد عبر الهضبة الأردنية الخصبة ، في ما يعرف بالطريق الملكي أو السلطاني ، مرورا بمدينة عمان ، إذ كانت عمان من المحطات الهامة على طريق القوافل التجارية العربية ، ولا يوجد شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دخلها في رحلة التجارة التي قام بها للسيدة خديجة بنت خويلد و تلك التي كانت بصحبة عمه أبي طالب .وقد كانت لبعض زعامات قريش علاقات قوية بمنطقة شرقي الأردن وخاصة البلقاء ، حتى أن أبا سفيان صخر بن حرب زعيم قريش كانت له ضيعة بالبلقاء ، تدعى " بقنس " تقع في منطقة وادي شعيب ، توارثها الأمويون ، ولما جاء العباسيون انتقلت ملكيتها إلى أبناء الخليفة العباسي المهدي ، قبل أن تنتقل إلى الزياتيين بني نعيم من أهل الكوفة .
وكانت بلاد الشام ومن بينها الأردن ، تحكم من قبل القبائل العربية المتنصرة التي كانت تتبع لروما ، إذ كانت تتوجس خيفة من النبي العربي الذي بعث في مكة ، فعندما أعلن فروة بن عمرو الجذامي عامل الروم على عمان إسلامه في البلقاء ؛ قامت الإدارة الرومانية بتنفيذ حكم الإعدام فيه صلبا على مياه عفراء في الطفيلة ، وأصبح هذا الأردني أول عربي يستشهد من اجل الإسلام خارج جزيرة العرب . وكان فروة الجذامي بعد أن اعتنق الإسلام أرسل مع مسعود بن سعد الجذامي ؛ بغلا أشهبا وفرسا وحمارا واقمصة كتانية وعباءة حريرية هدية إلى النبي ، وقبل الرسول هديته واجزل العطاء لرسوله .
وقد أراد الرسول (ص) أن يستطلع أمر بلاد الشام _ التي كانت على بوابة الجزيرة العربية البرية ـ وذلك لنشر الإسلام ومعرفة قوة الروم ، فنظم الرسول سلسلة حملات إلى شرقي الأردن ـالتي كانت تعرف باسم البلقاء ، فأرسل بعثا إلى وادي السرحان ، ثم قاد الرسول ( ص) سنة 6 هـ حملة مؤلفة من ألف رجل إلى دومة الجندل في شمال الجزيرة العربية والى الجوف في البلقاء ، لتامين خط سير القوافل التجارية . فلما سمع أهل المنطقة بقرب الحملة فروا هاربين ، ثم تقدمت سرية بقيادة عبد الرحمن بن عوف إلى بلدة الجوف ، وتغلبت على بني كلب ، وأخذت الجزية من أهلها ، فسر النبي بذلك ، وأذن لعبد الرحمن بن عوف بالزواج من تماضر ابنة اسباغ بن عمرو ، احد رؤساء بني كلب الذين اعتنقوا الإسلام .
وفي 6 هـ أيضا أوفد النبي سرية مؤلفة من خمسة عشر رجلا إلى حدود شرقي الأردن ، ليدعوا الناس إلى الدين الحنيف ، ولاستطلاع أخبار الروم ، فخرج عليهم جمع غفير في موقع " طلة" بين الطفيلة والكرك ، وقتلوهم عدا واحدا تمكن من الإفلات .
ووجه الرسول في السنة 6 هـ مبعوثا إلى أمير بصرى الغساني الذي كان يحكم جنوبي سوريا والبلقاء ، يدعوه إلى الإسلام ، إلا أن شرحبيل بن عمرو الغساني اعترض رسول سول الله عند مؤتة ، وقتله ، فاعد الرسول حملة لتأديب غسان بقيادة زيد بن حارثة فخرج في ثلاثة آلاف رجل ، ولما وصلوا معان كان الروم قد حشدوا قواتهم في مآب من ارض البلقاء وهي الكرك في بلدة مؤتة ، فحشدوا عشرين ألف مقاتل ؛ نصفهم من الروم ونصفهم الآخر من القبائل الموالية للروم ، من لخم وجذام وبلي وبلقين ، وكان العرب بقيادة مالك بن رافلة ، وقد انتهت المعركة باستشهاد ثلاثة من القادة وهم : زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة ، ثم تولى القيادة خالد بن الوليد الذي تمكن من مواجهة الروم والصمود أمامهم قبل أن ينسحب بالجيش سالما إلى المدينة المنورة .
وقد أرسلت قبيلة جذام رسلا برئاسة رفاعة بن زيد الجذامي إلى الرسول (ص) في المدينة المنورة معلنة إسلامها وانتقلت جذام من البلقاء وجنوبي الأردن إلى شمال الجزيرة العربية .
وفي أيار عام 632 م أرسل النبي بعثا إلى الشام بقيادة أسامة بن زيد ابن الثانية والعشرين سنة ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من ارض البلقاء ، إذ أمره أن يذهب إلى المكان الذي قتل فيه أبوه ، وان يغزو تلك الأقاليم ، إلا انه قبل أن يتحرك هذا الجيش انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى ، وفي اليوم التالي أصر الخليفة أبو بكر على أنفاذ ها البعث ، فانطلق الجيش إلى مقصده وتمكن من الانتصار على جموع من القبائل في تبوك ، ثم سار إلى مؤتة ، وحارب قبائل كلب وغسان ، قبل أن يعود إلى المدينة بسبب حروب الردة .
إلى أن نلتقي في الحلقة القادمة تحية لكم والى اللقاء .