الصلةُ بين القميص والذريعة معروفة، والحجاب صار ذريعةً لا تخلو من مكرٍ ومن مبالغةٍ، حجابُ إيران يُثيرُ داخل إيران وخارجها من المعارضات والعقوبات والتأييد لهذا أو ذاك ما يجعلُ الإعلامَ يتوهجُ بالأخبار، والقصةُ ليست غطاء شعر بل رمزيةٌ سياسيةٌ عميقةُ التأثير فيها كل عوامل الضغط والترويع والالتزام بمبادئ والتحبيب فيها.
لا يختلف المجتمع الإيراني عن أي مجتمعٍ آخر فيهِ متناقضات الثقافات، لكن إيران لها خاصيةٌ يكرهها الغرب كما يكرهها إيرانيون، بعض الإيرانيين لا يقبلون الأحكام التي تفرضها حكومةٌ دينية، إيرانيون كثيرون نشأوا على حريةٍ منحتها لهم "الشاهنشاهية" وخمدتها عليهم الخمينية.
الحرية وصلت أيام الشاه لأوسعِ مدياتها الشخصية وأحالت إيران حتى للسياحة الترفيهية الجنسية للمواطن وللجيران والأباعد، وكثيرون إيرانيون لم يعدوا كونهم أناساً عاديين لا تجذبهم الحرية المتعرية ولا التزمت المتشدد، وسطيون في حياتهم وعبادتهم وملبسهم، و كثيرون ارتاحوا بالتزمت وكثيرون اختاروا طريقاً يُرضي المتزمتين ويُرضي رغبتهم في الظهور الجميل و ربما الصارخ حين يغيب الرقيب.
الناس بمجملها تتفلتُ من القوانين التي تحكم مظهرها الخارجي والواقع يقول إن إجبار الناس علي مظهرٍ مُعين ليس سياسةً حكيمة مصيرها الفشل لأن الناس ستخترع ملبساً يرضيها وستتخلى عن ملابس لا تريدها حينما تستطيع، في خارج بلادهم التي يحكمها تقليدٌ ملبسيٌ صارمٌ ستجد مواطنيها يخلعون الملبس المتحفظ لارتداء الملبس المتحرر، ففي النهاية فإن الملبس اختيارٌ شخصي يأخذه الناس لحدوده اللامقبولة واللامعقولة في بلاد، ويلتزم بوسطيتهِ المناسبة ناس آخرون ببلاد، ويحب غيرهم ببلادٍ ثالثة أن يجعلوه رمزاً دينياً خالصاً ومغطياً الجسد كله أو حتى كاشفاً أو مُلوَّناً و مبهرجاً، وإيران لا تختلف في هذا عن البقية، هناك إيرانيين ملتزمين و وسطيين ولا معقولين داخل إيران كما هم خارجها، لكن الفرق هو أن الحكومة الإيرانية تفرض بالقانون والقوة الالتزام بملبسٍ ديني التوجه في أراضيها، وفي هذا إرهاقٌ للطرفين في لعبة القط والفأر.
المهم هو أن الحجاب أو الشادور أو الإيشارب والنقاب ليس إلا مظهراً خارجياً، لكنه بإيران باتَ مُسيَّساً من الخارج ومسألةً رخوةً مؤلمةً في الداخل، ولو كنت مسؤولاً لأرحتَ القوانين من تنفيذها وخففت من الضخ الداخلي والخارجي الذي يستخدم الملبس ذريعةً لمهاجمة إيران علي محور الحريات والأديان والإضطهاد، لكنني لستُ مسؤولاً ولا أعتقد أن السلطات الإيرانية بوارد إعطاء أي علامة من علامات التنازل لأن التنازل كما يقولون "دربٌ مُنزلِقٌ" لن تستطيع الوقوف بمنتصفه، والمهم أن غطاء الرأس للإيرانيين صار علامةَ حكم كما هو علامةَ بُغضٍ للحكم، ولأعداء إيران صار الغطاء كقميص عثمان يُلَوّّحُ به كدليلٍ قاطع علي انتهاك حقوق المرأة و نحن نعلم أن المطلوب هو رأس إيران و ليس غطاء الرأس، هو تناوشٌ يُستخدمُ فيها رمز لخلق رمز.
لكن حنق الإيرانيين واضحن وكثرة الضغط تولد الانفجار، بعض الدلائل لا تخفى علي مراقب، الغضب الشارعي من فرض الملبس يتجاوز الملبس وهو ذريعة ليقول أنه غضبٌ مما هو أكبر، وانصياع إيرانيين للتجسس علي بلادهم أو التخريب وهم من المتعلمين دليلٌ علي حنقٍ خطير، بالطبع إيران دولة كبيرة تستطيع استيعاب مثل هذا الحنق وتخنقه في مهدهِ لكنني لا أرى حكمةً في زيادة الضغوط علي المواطن الذي يعاني من الحصار الاقتصادي والعقوبات والذي يعلم أن منظومة الحكم لا ينقصها الفساد، كما هو حال كثيرٍ من الدول، وأن عسكرةَ البلاد علي حساب ميزانية المنزل الإيراني شيئٌ فيه ظلم، هكذا يقول الشعب أو بعضٌ ليس قليلاً من الشعب.
السياسي الحكيم يستشرفُ الثغرات، والمثلُ يقول إن مستكبر النار من مستصغر الشرر، قد تمضى إيران طويلاً بسياستها الداخلية و الخارجية غير أنها ليست سياسةَ استدامة إن تَبَّنتْ الضغط والإقفال، ولتعتبر من غيرها من العمالقة الذين ظنوا أنهم لا يتهاونوا بالفعل السلبي البسيط، فإذا هم منفيون، الشاهُ مثلاً.