أضفى فيصل الفايز مسحة من شخصيته على اداء مجلس الاعيان, فالرجل دمث المعشر, ودود بما يفيض عن حاجة السياسة, وخبير بدهاليز واروقة مؤسسات صنع القرار, فكانت حقبة رئاسته لمجلس الاعيان, واثقة الخطوة وسريعة الانجاز دون ادنى ارباك او تسويف في الوقت, فالمجلس منضبط على ساعة العمل بالتوقيت الملكي, وهذه راسخة في عقل الفايز ووجدانه, وعكسها بمهارة وطيبة على اعضاء مجلس الاعيان, الذين استجابوا في كثير من الاحيان لنُبل الرجل على حساب رغبتهم, فنجح في تمرير القوانين بسلاسة وبتنسيق قبلي مع الجناح الثاني لمجلس الامة الذي يرأسه خبير عتيق في التشريع والعمل النيابي, رغم التباعد النسبي في الطبائع الشخصية مع احتفاظ الشخصيتين بالطيبة والسماحة, الا ان عبد الكريم الدغمي قلل من حجم الفاقد في اداء النواب, وربما اعتماد منهج التنسيق القبلي والتوافق بين الجناحين قد اسهم في العبور الآمن والسلس لكثير من القوانين الاشكالية.
هذه القراءة التي تبدأ بالشخصانية في سدة رئاسة مجلس الامة, هي مقدمة للولوج الى قراءة دورة استثنائية كانت جدلية وصعبة المراس, ليس بحكم جدلية البرلمان والاعيان, لكن بحكم جدلية القوانين المعروضة, التي راهن كثيرون على انفجار العلاقة بين المجلسين, وراهنوا بأن المرور لهذه القوانين سيحسم بجلسات مشتركة, لكن خبرة الرئاستين حسمت الامور, وطبعا بعلاقة ذكية نسجها رئيس الحكومة مع الرئاستين, وسعيه لاطفاء اي سخونة او اشتباك غير حميد مع حكومته, فحافظ الدكتور بشر الخصاونة على هيبة حكومته, لكنه في الوقت ذاته لم يسمح لها بالتغول على المجلس او تصعير اكتاف الحكومة امام النواب تحديدا, اولئك الذين اعتادوا الشغب والصوت العالي.
الولوج من بوابة الرئاسات, لا يعني اسقاط دور النخب في المجلسين, فنخبة النواب على اقليتها داخل المجلس نجحت في فرض ايقاعها, تحديدا نواب الخبرة الحزبية والبرلمانية, الذين نجحوا في اسناد الرئاسة النيابية في اطفاء الحرائق, وهي مبررة بحكم طبائع وصول النائب الى مقعده, فهو اسير قواعده الانتخابية, التي كما الشارع الاردني غاضبة ومنفعلة بحكم الظروف الاقتصادية المعقدة من الوباء والبلاء الاقليمي السابق, ويؤخذ عليهم ذهابهم الى المزاج الشعبي بدل ان يقودوه, على عكس الاعيان ونخبته التي نجحت في تذليل كثير من العقبات, طبعا مع الاحتفاظ بالفوارق في الية وطبائع الوصول الى المقعد البرلماني.
للانصاف فإن «الأعيان» أكثر مهارة وهدوءا في مناقشة القوانين والأحداث, وأتحدث هنا عن مشاهدة عينية وملاحظة مباشرة, بعد أن تشرفت على مدار يومين برفقة نخبة من الأعيان لمناقشة ملف النقل ودوره في تنمية عجلة الاقتصاد, بحضور سبعة وزراء.
سمعوا ملاحظات قاسية ولكن وفق نقاشات هادئة ومنتجة, ولا بد من الإشارة إلى رئيس لجنة الخدمات العامة الأكاديمي مصطفى الحمارنة, الذي نجح في نقل فكرة الاشتباك الإيجابي إلى أروقة «الأعيان» بعد أن وضع منهجها إبان عضويته في مجلس النواب, لكن البيئة الحاضنة للفكرة في الأعيان أكثر حميمية منها في النواب, لذلك كانت ورشة النقل, وقبلها ورشة الاستجابة للتغير المناخي, مناورة بالذخيرة الحية للنظرية, التي تحظى اليوم بنجاح معقول, فالأعيان كانوا منهمكين في النقاش وتحضير درسهم, لتقديمه على شكل ملاحظات منهجية ساخنة ودون ضجيج.
الدورة الاستثنائية الساخنة مرت بهدوء لافت, ولكنها فرصة لقراءة اسباب المرور الآمن لقوانين جدلية, والدرس الأول أن التحضير الجيد والنقاشات النوعية القبلية والتوافقات السياسية وليس المغالبة السياسية هي أكثر الطرق أماناً, لإنتاج تشريعات توافقية, على أمل أن نستمر بهذا النهج والمسار, فقد أنهينا الدورة الاستثنائية الساخنة بخلاصة مفادها لم يفشل أحد ونجح الجميع.
الرأي