بإقرار مجلس الأعيان اليوم قوانين "الطفل والمجلس الطبي وقانون الضباط وخدمة العلم"، تكون الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة قد انتهت بانتظار صدور الإرادة الملكية لفضها رسمياً ،استعداداً للدورة البرلمانية العادية التي من المتوقع أن يقوم الملك بتأجيلها حسب صلاحياته بالدستور ، وللإنصاف فإن هذه الدورة شهدت مناقشة وإقرار حزمة تشريعات جاءت لمجلس النواب من الحكومة غاية في الأهمية ، وجذرية على طريق الإصلاح والتجديد، وللإنصاف أيضا أن العلاقة الصحية التي بنيت بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لعبت دورا أساسيا في جعل المسيرة التشريعية تمضي بكل سلاسة وأريحية، حيث أعلن الدكتور بشر الخصاونة منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة أنها ستعمل وبنية صادقة مع مجلس النواب في سبيل تحقيق المصلحة الوطنية العليا وقد صدق ما وعد ، الأمر الذي انعكس على أداء السلطتين تحت قبة البرلمان ، فلم تشهد العلاقة بينهما أي نوع من التوتر بل على العكس كانت الأمور مهنية ، وحرص على تحقيق الصالح العام رغم أن القوانين التي أقرت تعتبر قوانين صعبة و ربما جدلية لكن الإتفاق بين الطرفين على تحقيق المصلحة الوطنية أدى إلى النتيجة المطلوبة وسارت الأمور على ما يرام ، وحقيقة كان معظم النواب على قدر عال من المهنية والمسؤولية في النقاشات و المداخلات ، وتعاملت الحكومة في المقابل مع ملاحظاتهم بصدر رحب وأخذتها على محمل الجد من باب التشاركية في العمل الوطني العام.
فلسفة الحكومة قائمة منذ اليوم الأول لتشكيلها في المقام الأول على تنفيذ مفاصل كتاب التنفيذ السامي في البناء الإصلاحي السياسي والاقتصادي ، وقد حرصت على فتح أبوابها للجميع ، لأن طبيعة الرئيس الخصاونة ادإيمانه بالحوار، ويعتبر أن الحوار السبيل الوحيد لالتقاء الجميع على ما يصبوا له الأردنيون، ويؤمن أن الباب المفتوح والحوار الدائم يجنبان البلاد أي أزمات لا سمح الله تعالى، وقد نجح من خلال هذا الأسلوب الحضاري في جعل البلاد تتجاوز الكثير من المشاكل .
إن النتائج التي تحققها الحكومة على أرض الواقع هي نتاج واقعي لفهم حقيقي لكتاب التكليف بما يخص توفير الأرضية المطلوبة لمسيرة الإصلاح من خلال دفعها للقوانين المطلوبة إلى مجلس النواب دون تسويف ، علاوة على فتحها الحوار مع كافة أطياف المجتمع الأردني حول القضايا العامة التي تمس حياة الناس و الوصول إلى حلول مرضية لكل قضية واجهت المجتمع الأردني.
اليوم نستطيع أن نقول أن الأساس المطلوب لانطلاق المسيرة الإصلاحية على أرض الواقع باتت جاهزة تماما، والكرة أصبحت في مرمى كل من يريد أن ينخرط في الحياة السياسية دون أي عائق او حجة "قانون الأحزاب، قانون الإنتخاب، قانون البلديات والإدارة المحلية"، أي أن الحزمة السياسية لممارسة عمل سياسي حضاري باتت جاهزة، وجاء هذا كله مبني على فلسفة الحكومة القائمة على الجدية في العمل واحترام المواقيت والتشبيك الإيجابي على كل الجبهات ذات العلاقة وعلى رأسها مجلس النواب.
واستطاعت الحكومة بتفاهمات وتشاركية إيجابية مع مجلس الأمة إقرار قوانين لا تقل أهميتها عن القوانين ذات الطابع السياسي ، مثل قانون الإستثمار الذي طال انتظاره والذي سيفتح الأبواب للمستثمرين القادمين من خارج المملكة أو الأردنيين، إضافة إلى قانون المجلس الطبي الذي فتح الباب لاستعادة الخبرات الأردنية المتواجدة خارج الأردن ليكونوا في خدمة وطنهم.
مع كل هذا المطلوب لم ينته بعد ، فالحكومة لازال أمامها مشوار طويل وصعب في اتجاه استكمال الإصلاح الإقتصادي الذي يعتبر الأهم، فحياة الأردنيين مرتبطة به ، وهو أولوية عند الملك تترجمها الحكومة على أرض الواقع بكل جدية ومعاناة في ظل إمكانيات محدودة ، ومطالب ضاغطة ، وظروف دولية وإقليمية محيطة غاية في الصعوبة والتعقيد .
قطعت حكومة الدكتور بشر الخصاونة شوطا مهما في إنجاز مهمتها الوطنية والملكية ، ولكن لازال أمامها ملفات في غاية الأهمية يجب الاستعداد لها في المرحلة القادمة بنفس الروحية والتصميم..