العبادي على كرسي إعتراف مجلة "اللويبدة"
08-07-2007 03:00 AM
عمون - بالاتفاق مع ناشر و رئيس تحرير شهرية "اللويبدة" الزميل باسم سكجها تبدأ "عمون" بنشر مواد منتقاه من مقابلات وانفرادات وصور و اخبار الاعداد الصادرة تباعاً ، وذلك في اطار التعاون بين "عمون" و"اللويبدة" المجلة التي لاقت رواجاً واهتماماً بين الاوساط الاجتماعية والسياسية والاعلامية والاقتصادية المحلية ، وفيمايلي نص المقابلة التي نشرت في العدد الاول ونفدت من الاسواق والمكتبات واجراها للزميلة "اللويبدة" الزميل ناصر قمش وصورها الزميل محمد الرفايعة : خسر مقعده النيابي في الزرقاء بفارق سبعة وعشرين صوتاً، فكسبته عمّان، التي يرى أنّها كونت لهجة عربية جديدة خاصّة بها
يقول إنّه لم يصنع شعبيته على ظهر عبد الكريم الكباريتي، ويرى أنّ الكونفدرالية مع فلسطين آتية لا ريب فيها. ورفض أمانة عمّان الكبرى لكنّ عبد السلام المجالي ألزمه بها، ففكّ إرتباط إسم عبد الرؤوف الروابدة بها
درس الطب من اجل عيون زبيدة ثروت، ويعتبر زوجته أغلى هدية وهبها له الله، لأنّها أنجبت له أحلى خمس بنات
يعتقد أنّ التغييرات الوزارية المتواصلة طامة كبرى على الاردن، أمّا إذا عُرضت عليه رئاسة الحكومة فسوف يضمّ إليها عدداً من النواب المكان جدير بلقاء الدكتور ممدوح العبادي، حيث وسط عمّان التي يحبّها، ومطعم “الأوبرج” الذي يحمل من العمر نصف قرن، والصدفة التي هي خير من ألف ميعاد.
إشتبكنا معه في حوار مفتوح: باسم سكجها وبسام البدارين وكاتب هذه السطور .... بدون سقف وبلا حدود، فتحدث العبادي بما أثار شهيتنا للنشر. “اللويبدة” كانت في طور الإعداد، والعدد الأوّل على نار هادئة، فكانت كلمة “وجدتها” هي التي قفزت الى خاطري، فمن هي الشخصية العمّانية الأجدر بتسجيل تجربتها في عدد أوّل من مجلة عمّانية أكثر من ممدوح العبادي؟فاتحته بالأمر، فلم يمانع، بل أبدى تجاوباً، وكان هذا الحوار الذي جرى على ثلاث مراحل: في وسط عمّان، وفي مكتبه (عيادته)، وفي بيته.
والعبادي مستودع للأسرار في السياسة الاردنية المعاصرة .. اشتعل الحوار وتجول بحرية بين الخطوط الحمراء: الأمير حسن وحكاياته، نيران الكباريتي، البطيخي واسراره، الأمانة وأمنية، النقابات ومنظمة التحرير، هيكل وصدماته الكهربائية، سمير حباشنة وطموحاته، النسيب مصطفى القيسى، والصهر الودود رامي وريكات، وقصة الاتفاق والنفاق.
كنا أمام بحر من الأسرار، أغرانا بالسباحة فيه طبيب عيون تُرهقك عيناه، وما حمل من مزاوجة بين تقاليد البداوة وتقاليع المدينة. سياسي محنك وكأنه حزب متكامل. ذاكرة خصبة وفيض عاطفي، فمنذ اللحظة الاولى والمغامرة هي مفتاح شخصيته، دفعته عيون زبيدة ثروت لدراسة الطب حتى يصبح حكيماً للعيون.
رجل من قليلين يقولها بفخر : أنا من عمّان. لا يراوغ بذلك ولا يساوم، تاركاً ما قد يجنيه من تعاطف عشائري خلفه، فالرجل اختار منذ اللحظة الاولى أن ينتمي للمستقبل، تشي بذلك خطواته الرشيقة واهتمامه الاستثنائي بصحته. يحمل سيرة ذاتية إستثنائية، وتجربة تليق بسياسي تردد إسمه كثيراً كمرشح لمنصب رئيس الوزراء، ذلك انه تنقل بين أعتى النقابات والوزارات إلى أن حطّت رحاله في مجلس النواب، بعد ان شغل الناس، كل الناس، بأعماله في أمانة عمان حينما التفت إلى روحها المتعبة، وأيقظها من سباتها.
فكأنّه مثل عمّان إمتهن كل الوجوه الحلوة، فهو: عبادي قُحّ، وشركسي بالرضاعة، وفلسطيني بالهوى والهوية، إنه مَجمَع الأهواء والأنواء السياسية، فهو نجم الدائرة الثالثة التي سبقه اليها ليث شبيلات وتوجان فيصل، قبل أن تتغير معادلات الدائرة، ويتم العبث بجيناتها.
وكما يحلو للزميل البدارين القول: إذا إحتاج الرئيس الفلسطيني محمود عباس لقاء أيّ من النخب الأردنية، بعيدا عن الرسميات، يتّصل هاتفياً بشخص واحد فقط في عمان هو: الدكتور ممدوح العبادي، وإذا احتاجت النخب الرسمية أو غير الرسمية في السلطة الفلسطينية شخصاً يتحدث بإسم الأردنيين داخل فلسطين يكون أحد العناوين البارزة هو صاحبنا.
فأهمية العبادي، كما وصفته إحدى الصحف، لا تنحصر في هذه المناصب التي يحتلها في تراثه كواحد من أهم وأشهر الشخصيات الشعبية في الأردن، وفي خبراته بالملف الفلسطيني، بل في دعوته القديمة المتجدّدة للتوحد بين الشعبين حول نهر الأردن، وفي إطلالته الدائمة على الإنتخابات الفلسطينية عبر رئاسته عدة مرات لوفود أردنية شاركت في مراقبة إنتخابات الداخل الفلسطيني.
“جنتلمان” حقيقي، يوازن بين متطلبات كونه نائباً سياسياً من طراز رفيع، وبين إمساكه بزمام الفزعات والجاهات في تنوع مقلق، ولكن ما يدفعك للارتياح تجاه ذلك العالم المستقل هو وفاؤه لطفولته وأترابه. كيف لا يمكن أن تثق برجل ما زال يتذكر رفاق طفولته، واعضاء فريق كرة القدم الذين شاركوه اللعب في جبل عمّان منذ عشرات السنين.
س: لكل رواية بداية .. تُرى ما هي تلك الحادثة التي كانت سبباً في قدوم عائلتكم لمنطقة عمان، وليس وادي السير، حيث مقر العبابيد؟
ج : حقيقة لست متأكداً من المعلومات التي رويت لي، لكن ما أعرفه انه في تلك الأيام، وتحديداً في بداية القرن العشرين، حدثت عملية قتل في قريتنا “يرقا”، الأمر الذي دفع بعشيرتنا “للجلو” لمنطقة الكرك والاستقرار فيها. مرت الايام واضطرت العشيرة الى الرجوع لعمان، بهدف الصلح والعودة لمسقط رأسهم “يرقا”، لكن في ذلك الوقت كان جدي قد توفّي، وأنجب أبي وأخوته... حتى أن والدي قد ولد داخل حدود أمانة عمان الكبرى، وترعرع فيها، ثم قام بشراء قطعة أرض في منطقة رأس العين في الثلاثينيات حيث ولادتي.. بقينا هناك لأكبر، واترعرع في هذه المنطقة، متلقياً تعليمي متدرجاً على مقاعد الدراسة في مدارس عمان، ابتداء من المرحلة الابتدائية في مدارس الجوفة والمهاجرين والتاج وانتهاء بالمرحلة الثانوية في كلية الحسين...
س: أجمل مراحل العمر.. مرحلة الطفولة بعفويتها وبراءتها، تلك المرحلة التي ما زالت ذكرياتها عالقة في ثنايا وجداننا، نتذكرها للحظة فنبتسم، ونقول: ليت تلك الايام تعود، تُرى ما الذي يتذكره ممدوح العبادي من طفولته؟
ج- كيف لي أن انسى تلك الأيام، التي تربيت فيها مع عمان، واعني ما اقوله، لقد تربيت بالفعل مع عمان المدينة، فكبرنا معاً وتطورنا معاً أيضاً.. وأتذكر تلك الايام التي كنت واصدقائي نذهب فيها لحوامات راس العين ونبعها، حيث تعلمت السباحة واصطياد السمك. كانت أول بركة سباحة عامة في منطقة راس العين، وكيف لي أن أنسى تلك اللحظات التي كنت أتجول واصدقائي في شوراعها وحواريها.. أذكر ذلك اليوم الذي تمّت فيه معاقبتنا من قبل ادارة المدرسة لخطأ ارتكبناه، فقد تم فصلنا لعدة أيام فاستثمرناها بالذهاب لمنطقة جبل “اللويبدة”، واللجوء لمغارة هناك، لنتبادل الأحاديث المضحكة، وعبق دخان السجائر يعلوها...
يبتسم للحظة، ويقول إن لجبل اللويبدة وقعاً خاصاً في حياتي، وذكرى جميلة، وتحديداً في مرحلة الطفولة، وقد أعاد إحياء تلك الذكرى اقتراني بزوجتي، التي هي من مواليد اللويبدة وسكانها... كانت تسكن بجانب البيت المستأجر من قبل سمير الرفاعي، والعائد لعائلة الدباس، وهو مقابل لمستشفى لوزميلا.
س: عمان تاريخياً هي مدينة مظلومة. لا احد يتجرأ ويقول أنا من عمان. فما السبب في ذلك، وماذا تقول انت في نسبك لعمان؟
ج - قد تكون عقدة.. وقد يكون لها علاقة بالعمل السياسي.. لكنني دائماً أقول إنني من عمّان المدينة، وأصر على ما أقول..
س: عدم نشوئك في المناطق التي تنتمي لها عشيرتك، هل كان له دور في تنوع شخصيتك؟
ج - بالطبع، فعندما بدأت حياتي العملية في منتصف الخمسينيات، وتحديدا عندما كنت في مرحلة الدراسة، فأخالط النابلسي، والشركسي، والشامي، وقد يحدث إختلاط في الأنساب أحياناً من خلال اشتباك الحياة، بالتأكيد سينوع من شخصيتي ويثريها، ويزيدها خبرة، فأنا مثلاً لدي شقيق شركسي في الرضاعة هو الدكتور محي الدين توق.
س: أنت من قلائل يحق لنا تسميتهم بنواب وطن وليس نواب دائرة. هل لنشأتك والحياة التي خضت غمارها علاقة بهذا الأمر؟
ج - ما أستطيع قوله هو إنني إبن الاردن الحديث، الذي اختلط في تكوينه عدة أصول سواء يافاوية أو نجداوية أو حلبية أو حتى بصراوية.. أي انني نتاج هذا المجتمع الاردني، الذي كون شخصيتي وفكري وصقلهما..
س: عمان منطقة حديثة. هويتها لم تكتمل كمدينة. وإستحقاقات المستقبل، وما يحصل من تطورات سياسية حولها لن يساهم في إكتمال هويتها وصورتها. كيف ترى الأمر؟
ج- هناك أمر لا يختلف عليه إثنان، وهو أن لعمان “ لهجة” خاصة جديدة، كانت نتاجاً لاختلاط كل اللهجات التي وطأت شعوبها أرض عمان. قديماً كنا نتحدّث بلهجة أجدادانا، ومع مرور الأيام تغيّرت اللهجات نتيجة لاختلاط الشعوب، وها نحن الآن نسمع لهجة جديدة يتداولها أبناؤنا وبناتنا.. هذه اللهجة هي جزء من الوجه الجديد لعمان الحديثة.. أمر آخر، هو أن الأجزاء الأخرى لوجه عمان ما زالت في طور التبلور، وفي طريقها للاكتمال، خاصة وأن فترة ثمانين أو مائة سنة ليس بكثير على مدينة، لتصبح كاملة الهوية مقارنة بمدن كثيرة، مثل القاهرة التي يبلغ عمرها آلاف السنين، أو الشام التي يبلغ عمرها ثلاثة الآف سنة وغيرها من المدن.. لكن مدينة عمان تسير في خطى متسارعة، وحتما سيكون لها هويتها المكتملة الواضحة المعالم...
س: بقيت محافظاً على مسافة واحده مع الجميع سواء كان ذلك بحكم موقعك في المعارضة أو موقعك في السلطة، من خلال تدرجك في المناصب التي تقلّدتها.. كيف تمكنت من المحافظة على هذه المسافة في جو تسوده معادلات سياسية أردنية معقدة؟
ج - محافظتي على هذه المسافة كان نتيجة أمرين، فأنا لست صدامياً حتى أكسر، ولست متخاذلاً حتى أعصر. وبين هذا وذاك هناك هامش يجب العمل ضمنه، وخطوط حمراء لا يجوز تخطّيها..
ثانياً، قد يكون المجتمع العماني المختلط سبباً في هذا الأمر. هذا المجتمع لا يمكنه إلاّ أن يفرز منك إنساناً يؤمن بالرأي والرأي الاخر، إضافة لذلك، فانني إبن الخمسينات والستينيات، أي ابن المد والتيار القومي، الذي لم يفرّق في سياسته بين عربي وآخر تبعاً لجنسيته..
س: قد يكون، ومن وجهة نظرنا، أن من أهم السنوات العملية في حياة ممدوح العبادي هي في توليه لمنصب أمين عمان. إحك لنا قصة توليك لهذا المنصب؟
ج- عام 1993 كنت قد بدأت أحضر نفسي لخوض الإنتخابات النيابية مرشحاً عن مدينة الزرقاء، وبالفعل بدأت بالعمل بمنتهى الجدية. زارني مساء جاري آنذاك صديقي العزيز الدكتور خالد الكركي الذي كان رئيساً للديوان الملكي في ذلك الوقت.. لنجلس سوياً في شرفة المنزل.. لفت إنتباهه عتمة الشارع المقابل للمنزل والذي بالكاد ترى منه شيئاً لشدة سواد ظلمته، وسألني على الفور لماذا لا توجد أي اضاءة في هذا الشارع، فأجبته بعفوية: “حقيقة لا ادري لمن أتوجه بسؤالي، هل لأمانة عمان، أم لسلطه الكهرباء”؟
فباغتني بقوله “ بكره إنت بتضوّيه!” ولم أكن أعرف بان ذلك كان عطفاً على حوار جرى بينه وبين جلالة الملك، وعلمت انه قال للكركي أنه يريد شخصاً ديناميكياً مثل الدكتور العبادي ليتسلم زمام ومسؤولية الأمانة، فرد الكركي على جلالته قائلاً: “العبادي راح ينوّم أهالي عمان ويغطّيهم وبعدها بيروّح على بيته”.. ثم طلب مني أن أوافيه في رد القبول لهذا المنصب في اليوم الذي يليه.. ولكنني لم أعر الموضوع ذلك الاهتمام، حيث كان فكري منصباً على موضوع الإنتخابات، ومضى قرابة الأسبوع، وتلقيت إتصالاً من رئيس الوزراء آنذاك الدكتور عبد السلام المجالي وقابلته في مكتبه، لنتناقش بذات الموضوع، فقابلته بالرفض الصريح.. وسألني مستغرباً ومستخدماً كلمته الشهيرة: “فصيح!”، وذلك بحكم العشرة والمحبة التي بيننا، عن عدم موافقتي على الطلب، فقلت له إن السبب هو رغبتي في خدمة الوطن وأبنائه من خلال ترشيحي في الإنتخابات، إلا أنه أقنعني بجوابه.
س: في أمانة عمان كنت الأمين المثقّف، وهذه ميزة تضاف لرصيد إمتيازاتك، تُرى هل يجب أن يكون أمين عمان مثقفاً كقاعدة؟
ج - اعتقد بأن روح المدينة بأهلها أهم من المادة. والعنوان الاول للروح هي الثقافة، لذلك عندما قمت باختيار “السيتي هول/ قاعة المدينة“ والمسرح في وسط عمان، كان هدفي روح المدينة المبني على عمان الشرقية والغربية، والملتقى بينهما هو نقطة إلتقاء لطبقات المجتمع من كافة المناطق حتى تتكون ثقافة اللقاء التي هي روح عمّان، لذلك فان مدينة تعجّ بالبنايات الشاهقة والأرصفة والأشجار تكون بلا روح.. ولهذا أصررت على الاهتمام بالدائرة الثقافية، وتخصيص الموازنة الخاصة بها، وأيضا إنشاء المسرح والمكتبة الوطنية ودعم المثقفين وغيرها الكثير.. حرصاً مني على إنتشار الثقافة التي هي نبراس للمدينة..
س: هل أنت راض عن دور الأمانة في دعم الثقافة حالياً؟
ج - كنت اتوقع بأن يتقدم دور الأمانة أكثر مما هو عليه الأن..
س: كثيرة هي المؤسسات التي ارتبطت بأسماء شخصيات كان لها بصمات واضحة في نهج سير العمل، حيث ارتبطت وزارة التخطيط بباسم عوض الله، والتلفزيون الاردني بمحمد كمال، وأمانة عمان ارتبطت بعبد الرؤوف الروابدة.. لكن كيف استطاع ممدوح العبادي أن يفكك هذا الرباط بين الروابدة والأمانة ليطبع بصمته الخاصة؟
ج - أستطيع أن أصف عبد الرؤوف الروابدة بانه الرجل الأول في المملكة في الإدارة والأنظمة والقوانين، فقد تمكن من اختزال انظمة للامانة كانت بحق جديرة بالإحترام والتقدير ووضع حجر الأساس الجيد للقائم بمهام أمين عمان. وعند قدومي للامانة وجدت هذه التشريعات والأنظمة التي لا تحتاج إلا لإدارة جيدة تعتمد على كفاءات عالية للبدء بها والسير نحو الإنجاز... ولهذا السبب كانت الانطلاقة قوية وذات أثر ملموس.. أذكر في إحدى المرات، واثناء انعقاد مؤتمر لكافة مجالس البلديات في قصر الثقافة، حضره كل رؤساء البلديات وحضرته وعبد الرؤوف الروابدة وعبد الرزاق طبيشات الذي كان آنذاك وزيرا للبلديات، حيث سأل أحدهم عبد الرؤوف الروابدة عن الذي تمنى تحقيقه ولم يستطع اثناء فترة عمله في الأمانة، فأجابه الروابدة: ما أتمنى تحقيقه هو أن احقق ما حققه العبادي، حيث كان جوابه دبلوماسياً مفعماً بالشجاعة والجرأة.
كما انه كان يتردد على مسامعي الكثير من الأحاديث التي كان يرددها الروابدة، كأن يقول: لن يستطيع في الأردن أي رجل أن ينفّذ طريق شارع الاردن، وأن يزيل ما حوله من بيوت قديمة، ومخلفات دون ان يترك أي ذرة حزن أو عتب في نفوس المواطنين باستثناء العبادي.. وبالفعل بالرغم من كل الصعوبات التي صادفتني اثناء عملي بمشروع شارع الأردن، إلا أنني استطعت أن اضع له الخطة المناسبة التي مكنتني حقا من تنفيذه دون مشاكل.
س: حدثنا عن اجمل المواقف التي حصلت بينك وبين جلالة الملك الراحل الحسين رحمه الله?.
ج - أذكر أنه في إحدى المرات جاء جلالته رحمه الله لزيارتي اثناء عملي في الأمانة، وتجوّل في كثير من المرافق مثل “السيتي هول” ومبنى الموظفين، وكنّا قد وضعنا حجر الأساس لمركز ثقافي وللمكتبة، وأطلعناه على الإتفاقية التي أبرمت بيننا وبين اليابانيين لبناء متحف.. وبعد أن مكث وقتاً لا بأس به، أبدى إعجابه بما شاهده ثمّ قال: ”أولاد عمّنا -يقصد اليهود- ما بينعتبوا لما ييجوا بيقولوا (داينونا) امين العاصمة”!
س: كنت من اوائل من تنبأ لعبد الكريم الكباريتي بتولي منصب رئيس الوزراء، حدثنا عن هذه الرواية؟
ج - أذكر في إحدى المرات أنني ذهبت وعبد الكريم الكباريتي في زيارة لمنزل سعد هايل السرور، وكنّا نحن الثلاثة أصدقاء حميمين جداً.. وأثناء جلوسنا تحدثت لعبد لكريم قائلاً له: أنا وبحكم عملي إستطعت أن اغلق الثغرة في أمانة عمان، فيما أغلق سعد هايل السرور الثغرة بعمله رئيساً لمجلس النواب، ويبدو أن العطاء سيرسي عليك كرئيس للوزراء وهذا ما كان..
س: يقال بأن علاقتك بعبد الكريم الكباريتي قد تغيرت وتبدلت بعد أن أصبح رئيسا للحكومة؟
ج - كانت تردني دائماً الأقاويل حول عدم ارتياحه لوجودي في أمانة عمّان، رغم نفيه الدائم لصحة تلك الأقاويل أثناء لقائي به.. لكن ما جعلني أعيد التفكير بتلك الاقاويل، تلك الحادثة التي حصلت حيث أنه في إحدى المرات كنت تبرّعت لرابطة الكتاب بمبلغ خمسة الآف دينار تشجيعاً للثقافة، وهذا التبرع بالأساس يقرّره مجلس الأمانة الذي وافق على هذا المبلغ، وهذا الامر قانوني، لكن في الوقت ذاته كان لا بد من الحصول على موافقة رئيس الحكومة، إلا أن عبد الكريم الكباريتي كان يقول كلمات في مجلس الوزراء مفادها إن: “ العبادي يصنع شعبيته على ظهورنا” أو من هذا القبيل... وهذا ليس بصحيح، فأنا كوني أمين عمان من حقي أن أشجع الثقافة وإحياء روح المدينة.
س: هل تعتقد أن نسبك مع مصطفى القيسي كان له دور في تعكير صفو العلاقة بينك وبين الكباريتي، خاصة وأن سميح البطيخي قد تقلد منصب مدير المخابرات مباشرة بعد القيسي..
ج - لا أستطيع أن أجزم في المسألة، وقد يكون هذا الأمر سبباً في سوء العلاقة بيني وبين الكباريتي، خاصة وأن الكباريتي والبطيخي كانا بمثابة الحلف، لذا أعتقد أنّه لو أن الذي تقلد منصب مدير المخابرات غير القيسي لما كان الهجوم عليّ بهذا الوضع من قبل الإثنين... علما بأنني حاولت في إحدى المرات بأن أبادر بالصلح للتخفيف من وطأة هذا الإشكال بيني وبينه من خلال زيارتي له بعد توليه منصب رئيس الوزراء بمعية سعد هايل السرور وعبد الرؤوف الروابدة لكن!
س: فيما يتعلق بالبرلمان، واثناء الإنتخابات التي جرت لرئاسة المجلس، وقفت بحزم ضد عبد الكريم الدغمي، هل باعتقادك أن فوز الدغمي كان سيتسبب بأزمة داخلية من شأنها أن تحدث ارباكات تؤثّر على عمل المجلس، كما قيل حينها؟
ج - في الحقيقة أن كتلتنا، في ذلك الوقت، كانت قد رشحت بسام حدادين كنائب أول عن الكتلة، لاعتبارات ومصالح مثل الحصول على مقاعد في المكتب الدائم.. وفي ذلك الوقت، إجتمعنا برئاسة عبد الهادي المجالي كمرشح كتلة كبيرة، ورئيس للمجلس، وبالكتل الاخرى التي رشحت إحداها اللواء المتقاعد ظاهر الفواز كنائب أول، فيما رشحت الأخرى عاطف الطراونة كنائب أول.. لكن يبدو أنه وضمن إتفاقات جانبية، وحسما للخلاف تم ترشيحي لأكون انا النائب الاول عن الكتلة، بدلا من بسام حدادين، الأمر الذي رفضته تماماً، مع العلم أن الكتلة وبسام حدادين إعتبروه مضراً لنا الأمر الذي دفعني للموافقة على العمل كنائب اول. في السنة التي تلتها كنت قد رشحت عبدالله فريحات كنائب ثان، وهكذا كان، إلا أنّ المعركة كانت حامية الوطيس، ولولا هذا الخيار لكان من الصعب ان ينجح عبد الهادي المجالي، وكان النجاح حليف الدعمي.
س: هل هذا يعني أنه كان هناك مخاوف من نجاح الدغمي ؟
ج - عبد الهادي المجالي كما وصفه عبد الكريم الدغمي: لو كان بينه وبين الناس شعرة لما انقطعت.. أرجو أن يكون كلامي مفهوماً!
س: يحصل الكثير من الاحتقانات والاشتباكات بين الحكومة والمجالس النيابية، ترى هل تشكيل حكومة برلمانية من شأنه أن يساهم في الإرتقاء بالعمل البرلماني وإنضاج العمل السياسي؟
ج - عندما نقول حكومة برلمانية فهذا لا يعني أن يكون كل مجلس الوزراء برلمانيين، كما في دول العالم المتقدم التي من أسسها انه من غير الجائز ان تكون وزيراً دون أن تكون برلمانياً منتخباً من الشعب، أما ونحن لم نصل لمثل هذه المرحلة، فالحكومة البرلمانية بنظري يجب أولا أن يكون نصفها أو يزيد أو ينقص من البرلمانيين، وتكون مطعّمة بالتكنوقراط، ثانياً، وباعتقادي في حال تواجد مجلس وزراء يضم برلمانيين، فإنه حتماً سيساهم في إستقرار الحكومات لمدة أطول ليتسنى لها أن تقدم اكثر واكثر.
ثالثا: ان الحكومة البرلمانية تغري الكثير من الشخصيات الوطنية الجيدة للترشيح للبرلمان ليأخذوا فيما بعد منصب وزير... لكن الان معظم الشخصيات السياسية التي لديها قابلية لتحتل منصب الوزارة لا تخوض غمار البرلمان لأن دخوله في البرلمان يعني حرمانه من الوزارة وباعتقادي كل التغييرات الوزارية والذي يصاحبها عدم استقرار يعود لعدم وجود برلمانيين في الحكومة يدعمون هذه الحكومة تحت قبة البرلمان..
س: لو كلّفت برئاسة الوزراء هل ستشكل حكومة برلمانية؟
ج - أجزم بأنني سأصرّ على أن يكون عمودها الفقري من النواب المنتخبين من الشعب، لايماني أن من ينتخبه الشعب، ويكرر الشعب إنتخابه حتماً سيفكّر صبحاً ومساءً بأنّه سيعود يوما للشعب يطلب صوته مرة أخرى، ولهذا سيكون عمله كله منصباً لخدمة الشعب.
س: معادلة تداور النخب يحكمها كثير من الإعتبارات التي أحياناً ما تكون بعيدة عن المهنية، فكيف تقوّمون هذه المعادلة في ضوء إحتكامها لأسس مناطقية وعشائرية؟
ج - أعتقد أن النخب في الأردن مختلفة كلياً عن باقي البلدان، فلم تعد العشائر أو المناطق الجغرافية خالية من القدرات، ولهذا أعود وأقول إن الكتل البرلمانية يجب أن تشكل الحكومة حتى يكون معيار إختيار هذه النخب أكثر موضوعية.
س: لماذا انهار التجمع الديمقراطي برأيكم؟
ج - بسبب زلزال مدريد، والذي كان يعني أن الناس إجتمعوا مع الإسرائيليين لأول مرة منذ العام 1948 وكان التجمع الديمقراطي في تركيبته يضم أحزاباً ونواباً ونقباء، ولهذا عندما تغيّرت حكومة مضر بدران، وتشكّلت حكومة طاهر المصري، واشترطنا المشاركة في الحكومة بان يتم تعيين خمس وزراء لنا فيها، فتكلم طاهر المصري مع نواب التجمع الديمقراطي، الذين طلبوا منه في المقابل الحديث مع قيادتهم السياسية، ودب نقاش حاد نتج عنه رفض قسم منهم الدخول في الحكومة، وعلى رأسهم بهجت ابو غربية وإبراهيم بكر، فيما وافق القسم المتبقي الدخول فيها تحت مظلة إيمانهم بالعمل السياسي بشرط دخول خمسة وزراء.
س: هل تعتقد بامكانية عودة التجمع بدلاً من التوجه للإستعانة بحزب جديد بقيادة عبد الهادي المجالي لمواجهة الاخوان المسلمين؟
ج - لا أعتقد أنه هناك إستعانة بعبد الهادي المجالي، وفي الوقت ذاته تجربة التجمع وإعادتها من جديد فيها صعوبة بالغة وموضوعية، لكن كلي أمل بأن تعاد هذه التجربة، لتكون ذاتية وليست مفروضة من هنا وهناك وإلا فسيكون مصيرها الفشل..
س: برأيك هل من الممكن أن ينجح عبد الهادي المجالي في تشكيل إطار سياسي يوازي قوة الاخوان المسلمين؟
ج - اتمنى ذلك، ولو انني أشك في الأمر.
س: باعتقادك، ما الأمر الذي من الممكن أن يحدّ من نفوذ الاخوان المسلمين في الشارع الاردني؟
ج - ليس المطلوب الحد من نفوذهم، بل أن تُمثّل كل شرائح المجتمع الفكرية والسياسية، وهذا لن يتم إلا بتغيير قانون الإنتخاب، وبالتالي تقوى الأحزاب التي هي الرافعة الديمقراطية الحقيقة الموجودة في الساحة.
س: أنت من الأشخاص المعروفين دائماً بالدعوة للاشتباك في الموضوع الفلسطيني، تُرى ما هي رؤيتك في هذا الموضوع، وما هي مبرراته، وهل هناك إستحقاقات تلزمنا للتعاطي مع هذا الموضوع؟
ج - سأحدثك عن التاريخ قليلاً، أنا انسان قومي، ومنذ أن كنت في عمر السابعة عشرة، حيث كنت وقتها في مدينة اسطنبول للدراسة، نشر لي بعد أشهر من وجودي هناك في أكثر المجلات العربية شهرة في ذلك الوقت وهي مجلة “ العربي” مقال عن الدعاية الصهيونية في تركيا، أي وبمعنى آخر أن الاشتباك الإيجابي الفلسطيني الذي أخوضه كان منذ نعومة أظفاري، لكن توالت الأحداث المتعلقة بفلسطين، وبدأت السياسة الأردنية بالإبتعاد عن الإشتباك الإيجابي الفلسطيني، الأمر الذي أقابله بضرورة التمسك بالإشتباك الإيجابي، خاصة وأن القضية الفلسطينية هي قضية أردنية داخلية بامتياز، وما يحصل في فلسطين له أثر مباشر في الشارع الاردني...وأعني بالإشتباك الإيجابي لا هيمنة ولا نقوص أو إبتعاد بل أن نكون شركاء إيجابيين.
س : الا تلاحظون أن الجانب الرسمي في الأردن، أي الحكومات، لا يقيم علاقة مماثلة مع الشعب الفلسطيني بسبب الهواجس والمخاوف السياسية؟
ج - كنائب في البرلمان الأردني، لا علاقة لي بموقف الحكومة، فأنا أمثّل الشعب الأردني، وواجبي أن أعكس مضامين ودلالات الحقائق الجغرافية والوطنية والأخلاقية، التي تقول بان الأردنيين والفلسطينيين معاً، في قارب واحد، أما ما تفعله الحكومة أو لا تفعله فمسألة أخرى.
س : بعض السيناريوهات ما زالت تصر على أن الأردن قد ينتهي به المطاف لدور في الضفة الغربية.. ما هو تعليقكم؟
ج - التحليلات تكون مضحكة أحياناً، ومبكية أحياناً أخرى، فلا يوجد أي طرف يستطيع الإدعاء بأن هناك تصوراً ما سيتمّ فرضه على الشعبين في النهاية.. هذا كلام فارغ، فالرشد الشعبي في الجانبين قادر على تحديد شكل وصيغة وطبيعة العلاقة، والأهم من الشكل هو المضمون، فلدينا ولدى الأخوة في فلسطين، إيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وأنا أرى أن من يحللون ويرسمون السيناريوهات، عليهم أن ينظروا للوقائع على الأرض، وأن يكونوا بمستوى حقائق الجغرافيا والتاريخ، وهذه الحقائق برأيي المتواضع تقول بأنه لا مستقبل لنا في الأردن بدون عمقنا الفلسطيني، ولا مستقبل للفلسطينيين بدون عمقنا الإستراتيجي، فنحن معاً، أعجبنا ذلك كسياسيين أو لم يعجبنا، وبصرف النظر عن كل ما يطرح نظرياً، في الأروقة الإقليمية والدولية، فان الوحدة بين الشعبين اتية لا ريب فيها.
س : هل تشعرون بأنّ الفلسطينيين معنيون فعلاً بقصة المستقبل المشترك مع الأردن والأردنيين؟
ج - بل يعيشون هذه الحقيقة، واسألوا كل برلماني أردني زار فلسطين عن شعوره بعد الزيارة.. عندما جلسنا في أحد مقاهي نابلس كبرلمانيين أردنيين، كان مواطن فلسطيني يتحدث عن ولده في جامعة أردنية وكأن الولد في نابلس، وكذلك الجامعة، وأحد زملائي من النواب أخبرني بأنه تجول في شوارع نابلس وشعر بانه يتجول في شوارع مدينة إربد.. وعندما نزور الفلسطينيين نشعر بأننا تماماً بين أهلنا، وكأننا لم نغادر عمان.. إننا لا نتحدث عن وجوه تشبه بعضها فقط، بل عن مدن وشوارع تشبه بعضها أحياناً، وعن عادات ولقاءات. هناك حقائق كما قلت لكم، وإحدى هذه الحقائق تقول بان سقوط ألف شهيد فلسطيني خلال الإنتفاضة، رافقه فتح 950 بيت عزاء في الأردن على الأقل، والغبار المتطاير في نابلس يتلقفه الأنف الأردني في مدينة السلط، إنها حالة إندماجية لا يستطيع السياسيون إلا تأطيرها في الإتجاه الصحيح، ولا مجال للعبث بها حتى من قبل المعنيين بالحسابات الإقليمية.
س : هل يعني ذلك أن الفرصة متاحة للتحدث عن برلمان مشترك مستقبلاً يمثل الضفتين؟
ج - قلنا ينبغي ان لا نتسرع بأي قراءات، ولكن كل الخيارات متاحة أمام الشعبين مباشرة مستقبلاً، وفي الواقع نحن نتحدث عن علاقات تعاون وتوحد برلمانية، ليس بيننا وبين الأخوة الفلسطينيين فقط بل بين جميع البرلمانيين العرب، وهناك وقائع جغرافية وتاريخية يمكن أن تتجمع معاً في إطار موحد بخصوص العمل البرلماني، فالبرلمانيون في المغرب العربي يمكن ان يكون لديهم مظلة مشتركة وموضوعات ذات إهتمام مشترك، وفي حالتنا الأردنية الفلسطينية لدينا بالتأكيد ما يهمنا معا.
س : في الأردن، دائماً كانت هناك حسابات سياسية تتوجّس من الإنفتاح على الفلسطينيين خشية ما يسمى بالخيار الأردني؟
ج - الواقع يتجاوز الآن الحسابات والحساسيات، ولدينا في عمان كما لدى أخوتنا، وعي وطني كفيل بمعالجة أي حساسيات، والأهم أن المستقبل لن يسمح لنا بالبقاء في منطقة الحسابات، فنحن معاً عاجلاً أم آجلاً.
س : ما هي افاق العلاقة برأيكم؟
ج - الأردني والفلسطيني، سواء أكانوا في البرلمان، أو في اي مؤسسة أخرى، سيجلسان معاً عاجلاً ام آجلاً، للإتفاق على شكل العلاقة وإطارها، وبشكل لا يعكس المضامين التي اشرنا لها فقط، إنما ينسجم مع المصالح الأردنية العليا، ومع المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني الذي قدم الكثير من التضحيات، ويستحق الحياة الأفضل، ولست في موقع يتيح لي رسم صورة لما يمكن ان تكون عليه مستقبلاً العلاقة التشريعية بين الأردنيين والفلسطينيين، لكني أقول بوجود إيمان مشترك بالحقائق وإتفاق على الأهداف، وبوجود حالة تقاطع دائمة، فعمان تحتضن دوماً.
س: لكنك تؤمن بفكرة فك الارتباط مع الفلسطينيين؟
ج - اؤكد على ما أقوله من أن فكرة فك الإرتباط بمعنى “يصطفلوا” لا اؤمن بها أبداً، بل اؤمن باعطائهم حرية القرار والاستقرار لدولتهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم.
س: يقال بأنك انت صاحب المبادرة في السماح لكل من جورج حبش ونايف حواتمة في الدخول للاراضي الاردنية، بعد قطيعة طويلة سببتها أحداث السبعين؟
ج - كان وقتها يعقد مؤتمر للهجرة اليهودية في عمان، من ضمن المدعوين للمؤتمر محمد حسنين هيكل ومندوب الجبهة الشعبية عزمي الخواجا، بالاضافة لجورج حبش، الذي كان ممنوعاً من الدخول للأراضي الاردنية منذ السبعينيات، فطلبت على الفور مقابلة مدير المخابرات للسماح له بالدخول، معللاً طلبي أن كلاً من جورج حبش ونايف حواتمة لم يدخلا الأراضي الأردنية منذ السبعينيات، ونريد السماح لهما لطي آخر صفحة من فترة السبعينات، وبالفعل إستجاب لطلبي، وسمح لهما بالدخول، وعلى إثرها دخل الكثيرون، باستثناء شخص واحد، طلبت إذن السماح له بالدخول من وزير الداخلية، الذي وافق بكل رحابة صدر قائلاً :“ اللي دخلولك كل الناس خليهم يدخلولك آخر واحد” وفعلاً سمح له بالدخول.
س: كيف تعامل ممدوح العبادي، وزير الصحة، مع ملفات ضمت قضايا تتعلق بالدواء الفاسد؟
ج - اتذكر وقتها أنه قبل إستلامي لوزارة الصحة كانت هناك قرارات قد صدرت من قبل وزراء سبقوني في الوزارة بحظر استيراد اي نوع من الشوكولاته الانجليزية، للاشتباه بتسببها بمرض جنون البقر الذي كان شائعاً في تلك الفترة، وعندما إستلمت منصب وزير الصحة تلقيت كثيراً من الإتصالات من القسم التجاري في السفارة البريطانية يطلبون السماح للاردن بمعاودة استيراد الشوكولاته الانجليزية خاصة، وأن الاردن يخلو من إصابات بهذا المرض. بدأت بعدد من المشاورات والإستفسارات مع عدد من المختصين الذين أصروا على موقفهم بضرورة عدم إستيراد مثل تلك الحلوى، وبقيت على هذا القرار حتى أنني وأجزم بأن الوزير الذي تولى الموقع من بعدي وهو الدكتور عارف البطاينة بقي على ذات المبدأ وذات القرار الذي اتخذته ومن قبلي.. وهو أمر عادي إختلق منه الاخرون قصة وقضية “أدوشت الاردن”.
س: فيما يتعلق بموضوع شركة “ أمنية” هل كان هناك مراكز قوى تحول دون تحرك هذا الملف في سياق قانوني؟
في تلك الفترة ترددت على مسامعنا أنباء مفادها بأن شركتي الخطوط والهواتف النقالة قد دفعتا مبلغا كبيراً مقابل تأجيل عطاء شركة أمنية لمدة ثلاث سنوات، وما اذكره تحديداً بان قرابة الـ 60 نائباً قد رفعوا مذكرة لرئيس مجلس النواب،ولا ادري ما الذي حصل وقتها بالمذكرة، لكن في النهاية تمت إحالة عطاء شركة أمنية وانتهت القضية.
وبعد سنة، ترددت أخبار أن شركة أمنية بيعت بـ 400 مليون دينار، الأمر الذي يدل على وجود قضية حقيقية، وقمت بعدها برفع سؤال للحكومة الذي حولته فيما بعد لاستجواب. أنا و 51 من زملائي النواب قد وقعنا عليه لاحالة هذه القضية للمحكمة.. ومنذ أن حصل هذا الموضوع، الذي كان منذ قرابة الثمانية شهور وكثير من الاشخاص قد طلبوا مني ضرورة الحيطة والحذر من طرح هذا الموضوع لخوف من ان يكون له علاقة بأحد المسؤولين الكبار، والذي في النهاية قد يتسبب لي بحرج أو مشكلة كبيرة، إلا أنني أجزم للجميع بأنني وطيلة المدة السابقة لم أتعرض لأي تصريح أو تلميح بأن هذه القضية لها علاقة بأي مسؤولي في الدولة.
س: هل تلمس وجود ارادة حقيقية لمكافحة الفساد في الاردن؟
ج - لن يكون هناك وجود لمكافحة حقيقية إلا بهيئة مكافحة فساد قوية، تحت قانون من أين لك هذا؟ إن لم يتواجد هذا القانون فمن غير الممكن ان نكافح الفساد.. صحيح بأن هناك ارادة سياسية، لكن لا بد أن يرافقها قانون وهو المطلوب أساساً.
س: كيف يوائم ممدوح العبادي ما بين متطلباته كنائب سياسي يعتبر رمزا من رموز الدائرة الثالثة، التي بالعادة تنتج سياسيين، وكونه ينتمي لعشيرة كبيرة لها متطلبات خدماتية كثيرة؟
ج - حقيقة، انا منسجم ومتصالح مع ذاتي جداً، ومنذ الصغر وعندما ترشحت مثلاً لمنصب نقيب الاطباء لم أعتمد على عشيرتي، بل على الصفوة في المجتمع من مهنيين... لذلك، فأنا لا أواجه أي مشكلة في هذا الموضوع، فمن الجميل أن تساعد الفقراء، حيث أن معظم عشيرتي فقراء، وبحاجة للمساعدة، وأحاول قدر إستطاعتي تقديم جل المساعدة، إلا أن هذا الأمر لا يأخذ هذا الحيز الكبير من وقتي وفكري، كما القضايا السياسية والرقابية التي تشغلني..فأنا اعتبر نفسي نائب وطن.
س: برأيك هل تماشى خطاب الأخوان المسلمين وتطور مع احتياجات ومتطلبات التغير الذي يحدث في مجتمعنا؟
ج - استطيع أقول بأن خطابهم السياسي منذ فترة الثلاثينات والى الأن لم يتغير، قد تكون قياداتهم السياسية ليسوا بمفكرين، بمعنى أن إستقلالية الفكر في حزب الاخوان “ مقموعة”، وتبقى داخل الإطار، دون ان يكون هناك أي محاولة للوثوب خارجه، لذلك فكيف له ان يتطور..
س: عودة لمعادلة تداور النخب برأيك ما سبب الهجوم من قبل مجلس النواب على باسم عوض الله؟
ج - أعتقد أنه كان في ذلك الوقت بايعاز من قبل أجهزة الدولة، ودعم قوى متنفذة فيها، وأنتم تعرفون من الذي أطاح به وحرض النواب توقيع مذكرتهم الشهيرة.
س: من اكثر الظواهر السياسية التي لفتت انتباهك على مدار خدمتك؟
ج - هناك الكثير من الوزراء الذين كان لهم دور كبير في العمل السياسي، وأيضاً عدد من رؤساء الوزرات، ممن كان لهم تواجد فكري سياسي أو إداري، ولكن أستطيع القول بأن ظاهرة جلالة الملك الحسين رحمه الله كانت بحق ظاهرة غير طبيعية.
س: رأيك باختصار بكل من التالي اسماؤهم:
ـ عبد الهادي المجالي: لو كان بينه وبين الناس شعرة لما إنقطعت.
ـ عبد الكريم الكباريتي: ذكي، جريء، مندفع جداً.
ـ علي ابو الراغب: صقلته الظروف، وإكتسب خبرة واسعة من خلال ممارساته النيابية والنقابية والوزارية.
ـ طاهر المصري: نزيه ديمقراطي جداً، ينقصه الحسم.
س: بقى لنا وقبل ان ننهي حديثنا الذي لا يمل ان تحدثنا ولو بالقليل عن حياتك الاسرية؟
ج - أنا، وكما تعرف، رجل متزوج من إمراة شرقية متزنة “ست بيت”، كان لها الدور العظيم في دعمي، لأواصل مسيرتي العملية بنجاح وتقدم، حيث كانت تتحمل كل الظروف التي كانت تحيط بعملي، وكانت تتحمل الكثير من المسؤوليات التي كانت تقع على عاتقي اثناء غيابي.. وأحمد الله أنه رزقني بمثل هذه المرأة، والتي أنا سعيد بوجودها معي.
لم يقتصر دورها على هذا الأمر فقط.. بل قدّمت لي أجمل هدية حين انجبت لي ما أنعم الله به علي “بناتي” اللواتي اضأن بابتسامتهن وجمال محياهن حياتي فملأنها نورا ومحبة...