الآفات الاجتماعية عند العرب
م. وائل سامي السماعين
27-09-2022 04:18 PM
في بعض الدول العربية، وحتى وقت قصير وما زال مستمرا، كان اهل الفتاة من القبائل العربية يعارضون زواج ابنتهم من شاب من ذوي الاصول غير العربية مثل الفارسية او غيرها، لانهم يعتبرون ان القبائل غير العربية اقل درجة منهم، ففي دول الخليج عامة لا يسمح زواج الفتاة من غير اهل البلد، الا بموافقة وزارة الداخلية والى ما غير ذلك، لاسباب كثيرة تتعلق بهم. وفي لبنان لا يسمح للفتاة اللبنانية الارتباط بشاب فلسطيني، كما شاهدنا في احد المسلسات اللبنانية، وفي سائر الدول العربية بدون استثناء، لديهم آفات اجتماعية لا حصر لها.
وبالنسبة لنا في الاردن، يحرص الكثير بالسؤال عن اصلك وفصلك في جميع المناسبات، بلا تردد وخصوصا من الجيل القديم، لمعرفة اذا كنت من اصول فلسطينية او اردنية او حتى مسيحي او مسلم او غير ذلك، والبعض حتى ولو كان من مواليد الاردن من الجيل الثاني او حتى الجيل الثالث، يصر على تعريف جنسيته حسب اصل جده او جدته، ولو سألتهم عن السبب في الاصرار على اظهار اصولهم، تجد ان لهم روايات مختلفة.
بينما في الغرب تجد ان الجيل الاول او الثاني لا يذكر نهائيا اصوله، فالامريكي يعتز بالقول بانه امريكي او كندي ويتوقف عند هذا الحد، ولا يغوص في تاريخ اجداده واصولهم، فمعظم الرؤساء الامريكان على سبيل المثال هم من الجيل الثاني، ومن اصول ايرلندية او المانية او غيرها، وهذا ينطبق على معظم الامريكان او الكنديين او الاستراليين، فكلهم من اصول انجليزية او ايطالية او استكلندية.. الخ، ولكن حدة نعرة الاصول ليست لديهم كما هي عندنا، فلم اسمع اي منهم يذكر اي شيئ عن اصله وفصله عند مخالطتهم.
في كثير من الاجتماعات الودية مع الاجانب، يحرص بعض الاردنيين من شتى الاصول والمنابت، بتعريف نفسه على اساس اصله، وكأن هذا شيئ مهم بالنسبة للأجنبي او الاخرين، فتخيل نفسك عندما تجتمع مع امريكي، ويبدأ في تعريف نفسه على ان أصوله من موزمبيق او من ايرلندا، فهل ستكترث عن اصوله واجداده Who Cares where his ancestors from ?
حتى والدي رحمه الله قبل وفاته، قال لي اذا سئلتم من اين انتم قولوا نحن كركية، فهو منحدر من ابوين ولدا في الكرك، وربما طلب ذلك لان ذكرياته طيبة عن الكرك، فالعلاقة بين عشائرها المسيحية والمسلمة، كانت قائمة على المحبة والاخوة، ولان السماعين فخذ من عشائر المعايعة، التي كانت تقطن الكرك منذ مئات السنين، ويروى انها من قبائل الغساسنة، وقد هاجرت عشيرة المعايعة الى مدينة مادبا منذ حوالي مائة عام، حسب ما ذكر في كتاب تاريخ مادبا. على اية حال ابتسمت لوالدي وقلت له حسنا سافعل ذلك.
والسؤال هنا، لماذا لا يندمج العرب بسهولة مع موطنهم الجديد ويصبحوا جزءا من النسيج الاجتماعي، حتى لو مضى عليهم في الاوطان الجديدة عشرات او مئات السنين، فالاردني من اصول فلسطينية حتى لو كان والده من مواليد الاردن، ما زال يعرف نفسه على اساس انه فلسطيني، بالرغم من انه يحمل الجنسية الاردنية ولديه رقم وطني، والشركسي والارمني والاكراد كذلك. ولماذا يتم التفرقة في بعض الدول العربية بين العربي الكح والعربي غير الكح، وفي كثير من الاحيان، يتم تعريف السيرة الذاتية لبعض المشاهير او غيرهم على اساس هويته الدينية، مسيحي او شيعي او يزيدي او علوي او مسلم، ويشار ايضا إلى أصوله، فإلى متى سنستمر في المحافظة على هذه الآفات الاجتماعية ونتوارثها من جيل الى جيل؟
واتساءل هل هذه من سمات الشعوب البدائية ام ان هناك اسباب اخرى؟
باعتقادي ان العرب هم من اكثر شعوب العالم طيبة وعفوية، ولكننا لم نتخلص بعد، من بعض السلبيات مثل هذه الآفات الاجتماعية، فالاصل والفصل، ما زالا يشكلان هاجسا هاما في حياتنا، بالرغم من اننا نعرف تمام المعرفة، ان هذه امراض وآفات تفكك المجتمع، وتقضي على اي بارقة امل للتطور، لان الوطن يبقى سجينا لها، بسبب توارثها جيل بعد جيل، فهي التي تسببت وما زالت في كثير من كوارث العالم العربي.
بالنسبىة للأردن، علينا جميعا ان نحرص على تربية ابنائنا ليكون لديهم حس وانتماء وطني، بغض النظر عن اصولهم او هويتهم الدينية وبغض النظر عن آراء الاجداد وتأثيرهم على الاحفاد او الابناء، لأن التفرقة على اساس الهوية الفرعية او الاصول او الهوية الدينية، ستضر في مستقبل ابنائنا واحفادنا، وبالتالي الوطن ككل. فالاجداد راحلون، ويتذكرون مدنهم وقراهم لان ذكرياتهم فيها، وهذا طبيعي، اما اجيال المستقبل فمن الضروري، توعيتهم لزيادة الانتماء الوطني لهم، فالاردن ومستقبل الابناء والاحفاد، يستحق منا بذل المزيد من الجهود، لكي نبعدهم عن الآفات الاجتماعية المتوارثة، والتي تضر بمستقبل هذا الوطن الجميل، فهذا واجبنا جميعا، وهو جزء من بناء هذا الوطن الاردني الشامخ، لبنة على لبنة، ليكون جسده معافا وسليما، فكلنا الاردن مهما اختلفنا، والاختلاف قوة ويجب ان يتم توظيفه للقوة وليس للضعف.
waelsamain@gmail.com