لقد طال انتظار عودة تحليق " الملكية الأردنية "بين عمان عاصمة وطننا الأردن الغالي وبين موسكو عاصمة روسيا الاتحادية الصديقة لنا ولكل العرب، والقصة بدأت مع ظهور وباء كورونا وcovid19 عام 2019 وتطورت مع اندلاع " الحرب الأوكرانية " العام الحالي 2022، ولازال المشهد الأردني الوطني حزينًا على غيابها، وكذلك الدبلوماسي بين بلدينا الأردن وروسيا، والأسباب الكامنة لم تتضح بعد، ويوجد من يعزو ذلك للتأثير الأمريكي غير الراغب بترسيخ علاقات أردنية روسية حتى عبر شركة الطيران الوطنية، وهو خطاب غير مقنع، فلماذا إذن نشاهد الطائرات العربية تهبط في مطار موسكو الدولي مثل المصرية والاماراتية وغيرها ومع خالص التقدير؟ وفي المقابل فإن الجدوى الاقتصادية يجب حسبتها وطنيًا من منظار وطني وسياسي ودبلوماسي دقيق وبعيد المدى، وشخصيًا قابلت سعادة سفيرنا في موسكو السيد خالد الشوابكة صيف هذا العام ووجدت لديه اهتمامًا كبيرًا ومنقطع النظير لكي تعود "الملكية" إلى سابق عهدها وتألقها، وهي الغالية، والأجمل، والأكثر أمانًا وجودة في الخدمة لكل من يعتمدها طريقا لسفره، ويشير سعادته إلى أن مفتاح الفرج يكمن في عمان وليس في موسكو التي ترحب بقدوم الملكية بسعادة كبيرة.
والخطوط الجوية الملكية الأردنية جزء من نسيج عنوان الوطن، وهي لا تقل أهمية عن اعتزازنا الوطني بأجهزتنا الوطنية الأمنية الأردنية بقيادة قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة – الجيش العربي، وبمنتخبنا الوطني لكرة القدم "فيصلي ووحدات وباقي الفرق الوطنية الرياضية"، وبموسيقيات جيشنا العربي الأردني القديرة، وبجامعاتنا الأردنية المترامية فوق تراب الوطن، وبمؤسساتنا الطبية كذلك، وبمصانعنا ومعاملنا الوطنية، وبهويتنا الوطنية الأردنية الجامعة، ونسيجنا العشائري الأردني الموقر الذي يتقدمه الهاشميون الأشراف والملوك من عترة آل البيت عبر تاريخنا الوطني المشرّف ،وبملكنا المفدى عبدالله الثاني ابن الحسين "حفظه الله ورعاه".
ومجلس الأمة بشقيه "النواب والأعيان" وعبر لجنتي الصداقة الأردنية – الروسية معنيٌّ بتوجيه استجواب لإدارة "الملكية" لتبيان سبب أو أسباب انقطاع طيرانها بين عمان وموسكو بينما هي العلاقات الأردنية الروسية تاريخية متجذرة منذ عهد ملكنا العظيم الراحل الحسين طيب الله ثراه في زمن الزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف عام 1963، وهي راسخة ومتطورة في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني، وتصريح جلالته للصحافة الأمريكية مؤخرا عندما قال بأن الرئيس فلاديمير بوتين صديقي، وأعرفه منذ عشرين عامًا، وهو وطني يعمل على رفعة بلده مؤشر حقيقي على عمق العلاقات الأردنية - الروسية، وسياسة الأردن الخارجية المتوازنة التي يتقدمها وزيرنا القدير أيمن الصفدي تمسك بعصا الصراع الروسي – الأوكراني والغربي الأمريكي من الوسط، فنراها تلتقي بعميد الخارجية الروسية الوزير المخضرم سيرجي لافروف وبوزير خارجية أوكرانيا دميترو كاليبا بهدف المحافظة على السلام والأمن والاستقرار والاستقلال لكل منهما، وتوازن بين موسكو وواشنطن وأوروبا ودول العالم من دون انحياز .
ولدينا في الأردن كوادر بشرية صلبة يمكن الارتكاز والمراهنة عليها لإنجاح عمل " الملكية " بين عمان وموسكو، وأعني تواجد حوالي (25) الف خريج لروسيا والاتحاد السوفيتي السابق وزيجاتهم وأبنائهم وأحفادهم، ومجموعة من الأندية والجمعيات والجاليات الأردنية المرتبطة بروسيا الاتحادية، وسفارة وقنصلية لروسيا، ووفود أردنية وروسية زائرة ،و سفارة أردنية في موسكو، وطلبة أردنيون يدرسون في روسيا، وحجم تبادل تجاري يزيد على النصف مليار دولار، وهو رقم مرشح للصعود، وإعلام أردني وعربي يتابع الشأن الروسي، واعلام روسي متابع أردنيا وعربيا، ورجال أعمال لديهم جاهزية لتطوير أعمالهم حالة عودة " الملكية " إلى سابق عهدها بين العاصمتين الجميلتين عمان وموسكو المرتكزتين على سبع هضاب شامخة، وافواج من المسافرين ترانزيت، والأصل أن تكون أسعار التذاكر معقولة ومحمية من قبل الدولة الأردنية للأردنيين تمشيا مع ظرفهم الاقتصادي بالمقارنة مع العرب والأجانب .
يتمتع الأردن بموقع جيوسياسي متميز يتجاوز حجمه الاقتصادي لصالح السياسي والدبلوماسي المعتدل، وهو يتصدر بلاد العرب في المحافل الدولية بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، ولروسيا الاتحادية الصديقة لنا هنا في الأردن ولكل العرب مركزا استراتيجيا هاما، وهي دولة عظمى وقطبا استراتيجيا وميزان دولي يعتمد عليه . والإعلام الأردني والعربي عموما مطالب بإنصاف العلاقات الأردنية - الروسية، والدولة الروسية الصديقة لكل العرب، والمساهمة في مواجهة موجات " الفوبيا روسيا " أي الخوف غير المبرر من روسيا بسبب العملية الروسية العسكرية " الحرب الأوكرانية، وهي الفوبيا المتجذرة منذ زمن بعيد يتجاوز الحقبة السوفيتية حتى صوب عمق التاريخ المعاصر، وكانت حاضرة حتى قبل الحرب الأوكرانية ذاتها لأسباب ذات علاقة بالحرب الباردة وسباق التسلح والنهوض الروسي اتجاه التفوق العسكري وفي مقدمته النووي بالمقارنة مع ما يمتلكه حلف "الناتو" العسكري، وفي كل الأحوال يبقى الخط الساخن بين روسيا الاتحادية والحلف الأوروبي الأمريكي هو الضامن للأمن الدولي والمحافظ على سلامة البشرية .
وشخصيًا أدعو لحوار دولي متوازن وموضوعي وصادق يضفي إلى سلام دائم وعادل بين الجارتين الشقيقتين روسيا الاتحادية (موسكو) وغرب أوكرانيا (كييف) خاصة بعد تعقد المشهد والذهاب إلى استفتاء شعبي شرق أوكراني للانضمام إلى روسيا الاتحادية بهدف حماية سكان المناطق المتضررة من قصف أوكرانيا (كييف) والتيار البنديري الذي تتقدمه فصائل (أزوف) المتطرفة، وبعد تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين الأخيرة بجاهزية بلاده روسيا للرد على أي اعتداء نووي محتمل برد نووي ساخن مؤذي أقوى، وتمسك الطرفين بالخط الساخن لضمانة أمنهما والعالم .
وعودة لأهمية عودة " الملكية " لمسارها الصحيح بين عمان وموسكو يسعدني أن أقارن معنى "الملكية" لي ومن زاوية المحبة والعشق الوطني بكل ما نملك من زيت الزيتون والتين، والزعتر، وخبز الطابون، والميرمية والبابونج، وقراص العيد، والمنسف، والملوخية، ومنتجات البحر الميت وجمالية البحر الأحمر، والمناطق الأثرية السياحية والعلاجية، واللهجات الفلاحية والبدوية والمدنية والمخيمات الجميلة وأكثر. وفي نهاية المطاف كلنا أردنيون و" الملكية " طائرتنا الوطنية، ويحز بأنفسنا أن نغادر ترانزيت حيث يمكث المسافر ساعات انتظار طويلة على غيرها، وندفع أضعاف ما يمكن أن ندفعه ويرفد خزينتنا الوطنية الأردنية. دعونا نتأمل وننتظر الفرج لجميع الأردنيين الذين يعتبر السفر بالنسبة لهم حاجة انسانية وعلاجية وترفيهيه، وتعرف على الحضارات والشعوب واللغات، والمشاركة في المؤتمرات.