تُواصِل آلة الإعلام الغربية وبخاصةٍ الأميركية والبريطانية ورعاتها من الصهاينة والفاشيين الجدد, حملتها الضارية على روسيا وخصوصاً رئيسها فلاديمير بوتين، في محاولة لم تتوقّف لشيطنته وتشويه سمعته, عبر ضخ المزيد من الأكاذيب والروايات المفبركة والتسريبات التي تُنسب الى مصادر وشخصيات وأجهزة غير مُعرّفة, والتي وصلت ذروتها بعد اعلان الرئيس الروسي التعبئة الجزئية وتلويحه باستخدام الأسلحة النووية, دفاعاً عن وحدة وسلامة أراضي روسيا المستهدفة غربياً/أميركا بالتقسيم. ناهيك عن بدء عملية الاستفتاء في أربع مقاطعات أوكرانية يُسيطر عليها الجيش الروسي, تمهيداً (بعد 27 ايلول الجاري) لإصدار قانون يُجيز ضمّها الى الاتحاد الروسي حال حاز الاستفتاء في المقاطعات الأربع على تأييد أغلبية سكانها.
وإذ يترتّب على مصادقة الكرملين ضم تلك الأقاليم ان تصبح جزءاً من الأراضي الروسية, ما يعني ان خطوط التماس العسكرية مع أوكرانيا ستكون مباشرة, حال توقيع بوتين على وثائق انضمام تلك الأقاليم (كما حدث مع جمهورية شبه جزيرة القرم بعد استفتاء آذار/2014), وليس عبر دعم قوات جمهوريتي لوغانسك ودونتيسك. الأمر الذي يمنح الجيش الروسي هامش مناورة أوسع ومروحة من الأهداف العسكرية والإستراتيجية, التي تجنّبت موسكو استهدافها حتى الآن, كون أهدافها انحصرت في منطقة الدونباس (وفق خطة العملية العسكرية الخاصة) التي لم تعد الآن على جدول الأعمال). ما قد يعني وبالضرورة قيام الجيش الروسي باستهداف قوافل الإمدادات العسكرية الأوروبية/والأميركية, وتلك التي يُسيّرها حلف الناتو والقادمة جميعاً عبر القطارات من بولندا الى نظام زيلينيسكي.
لم يصمت الغرب الاستعماري، خصوصاً إدارة بايدن بالطبع على تصريحات بوتين وتلويحه «الجاد» باستخدام كل ما تتوافر عليه الترسانة الحربية الروسية من قدرات وامكانات, بما فيها السلاح النووي وتأكيده أن ما يقوله «ليس خداعاً أو مناورة». وان كانت العقيدة العسكرية الروسية تنص على استخدام الأسلحة النووية «فقط» في حال وقوع هجوم نووي ضد روسيا أو تهديد وجودي لها–كما أوضح المحلل السياسي الروسي المعروف/الكسندر نازاروف, في مقالة له بعد خطاب بوتين مباشرة يوم 21 أيلول الجاري- «أن بوتين في خطابه هذا قد خفّض بشكل كبير عتبة استخدام الأسلحة النووية.
في الوقت ذاته الذي كشف فيه نازاروف (المُقرب من الكرملين كما يقول خبراء في الشأن الروسي كالدكتور زياد الزبيدي) إن التعبئة الجزئية التي أعلنها بوتين «لا تتم لتكثيف الحرب مع أوكرانيا، وإنما - يُضيف - لمنع الناتو من دخول الحرب, أو - يُواصل نازاروف - للرد عسكرياً على دخول الناتو. لذلك - استطردَ - لم يكن من قبيل الصدفة أن يُكرِّس بوتين جزءاً كبيراً من خطابه لإجراءات وتهديدات الناتو».
الهستيريا الإعلامية والتصريحات المتطرفة التي تفوح منها رائحة الإستعلاء والغطرسة, التي أدلى بها مسؤولون أوروبيون وبخاصة أركان إدارة بايدن التي لم تتوقف منذ 24 شباط الماضي, بل قبلها وخصوصاً بعدها، تعكس من بين أمور أخرى مدى وحجم الارتباك الذي أصاب دوائر صنع القرار في واشنطن وبروكسل, سواء في حلف الناتو أم في صفوف الاتحاد الأوروبي بعد إعلان بوتين التعبئة الجزئية. والاحتمالات المفتوحة لتدحرج الأمور إلى ما هو أسوأ وأكثر خطورة من موافقة موسكو على طلبات الأقاليم الأوكرانية الأربعة الانضمام إلى قوام الاتحاد الروسي. وهو أيضاً ما تجلّى ليس فقط بصدور دعوات أوروبية/وأميركية إعلامية وحزبية ومراكز أبحاث وأجهزة استخبارية, تكثيف تزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة بعيدة المدى بما فيها الطائرات المقاتلة والصواريخ بعيدة المدى, فضلاً عن أجهزة رادار متقدّمة وأخرى أرض- بحر وجو- جو, لم تزوّد بها واشنطن (كما ألمانيا وبريطانيا) كييف منها بعد. زد على ذلك ما تحفل به عناوين الصحف ووسائل الإعلام ومحطات التلفزة الكبرى من تحليلات ودعوات للتصعيد وتحريض على شخص بوتين كما على روسيا, كالذي خرجت به واشنطن بوست قائلة: «بوتين يائس ويجب على أوكرانيا والغرب مواصلة الضغط عليه».
فيما راحت فورين أفيرز تتساءل عمّن سيخلف بوتين بعد «سقوطه» القريب؟. أما CNN فراحت تروّج لمقولة إن «بوتين في أزمة وإن قرار التعبئة الجزئية لن يحل مشاكل جيشه». فيما ذهبت وكالة بلومبيرغ إلى «توقّع أن بوتين قد يُنفّذ تهديده بهجمات نووية مُحددة». أما الأكثر غرابة ومدعاة للسخرية هو اتفاق وسائل الإعلام الغربية غير المُعلن على تضخيم «الهروب الجماعي» للشباب الروس خشية استدعائهم للتعبئة", في استغفال واستخفاف بعقول المستمعين والمشاهدين, كون خروج المواطنين الروس بعد إعلان التعبئة الجزئية كما عند بدء العملية العسكرية الخاصة, يتم تحت أعين المسؤولين الروس على الحدود البرية والمطارات والموانئ البحرية. وبإمكان هؤلاء اقفال الحدود ومنعهم من المغادرة بـ«كبسة زرّ».
kharroub@jpf.com.jo
الرأي