تابعت كغيري من الأردنيين مقاطع الفيديو المتداولة لاحتفال أحد مستجدي مديرية الأمن العام الذين تم تخريجهم يوم الأربعاء الماضي، في مدينة الملك عبدالله الثاني التدريبية تحت رعاية مدير الأمن العام، اللواء عبيدالله المعايطة.
مقاطع الفيديو المتداولة والتي تصدرت قائمة الترند في الأردن لمشهد المركبات المزيّنة بالشماغ والعلم الأردني، ومشهد الشرطي المستجد وهو يحمل العلم الأردني من سقف المركبة والتي تحمل مشاعر كبيرة من الفرح الظاهر عليه وعلى ذويه، حصلت على الآلاف من التعليقات السلبية، حيث استكثر أصحاب هذه التعليقات فرحة هذا الشرطي المستجد، ووصفوها بالمبالغ بها، باعتباره خريج مستجد لا يحمل رتبة.
المشاعر تختلط ولا عتب على جيل يكتسب معرفته من التيك توك، جيل لم يعرف يوماً كيف يصل كل الجنود الذين نراهم في الميدان الى مواقعهم، ولم يعرف كيف تدرج جنودنا البواسل منذ لحظة التسجيل للتجنيد، وإجرائهم للفحوصات الطبية، وتخطيهم للموافقات الأمنية، والانتظار الأشد لهفة لرسالة تبشرهم في قبولهم في الدورة التدريبية للالتحاق بجهاز الأمن العام.
هذا الشرطي المستجد وزملاءه، خاضوا ما خاضوا من تدريبات مكثفة على مدى أشهر في المدينة التدريبية، تدريبات قاسية ومؤلمة على المستوى الجسدي والنفسي، فالانتقال من الحياة المدنية الى الحياة العسكرية ليس بالأمر السهل، ودورات "الأغرار" في الموقر والكفرين على مستوى الأمن العام و "خو" على المستوى العسكري، تملأ ذاكرة خريجيها بقصص لايمكن لأي شخص نسيانها.
وقد تضمن تدريبهم التأسيسي تسليحهم بالعلم والمعرفة في العلوم الأمنية والقانونية، وحقوق الإنسان، ومهارات الدفاع عن النفس واللياقة البدنية والأسلحة، حاملينَ رسالة أمنية نبيلة قوامها الاحترافية في إنفاذ القانون وخدمة الوطن والمواطن.
أما على صعيد ذوي المستجدين، فلا يمكنني نسيان مشهد ذوي الخريجين في التخريج السابق الذي كان شقيقي أحد خريجيه، فمشهدهم كان مؤثر وعظيم، فما بين أصوات الزغاريد وذرف الدموع، كانت الأصوات التي تحمل "ذكر الله" تتردد عند كل إيعاز يقوم به قائد المراسم لصفوف الخريجين، خوفاً عليهم، وفي إشارة لعظمة المشهد المليء بالفخر والاعتزاز بأبنائهم الذين أصبحوا اليوم جنوداً وحماة للوطن.
المستجدين الذين تخرجوا قبل أيام أخذوا إجازة لا تتجاوز الواحد والعشرين يوماً بين ذويهم قبل أن يلتحقوا بصفوف أفراد الأجهزة الأمنية في الميادين والمديريات باختلافها، يعملوا جنباً إلى جنب مع زملاءهم، ليقدموا كل ما يملكون من جهودهم الكبيرة والفاعلة لتعزيز أمن الجبهة الداخلية وإستقرارها، وحماية الوطن والمواطن، لمواجهة الأخطار والتهديدات المختلفة.
اعتزازنا كبير في جميع أفراد مديرية الأمن العام وأفراد القوات المسلحة الأردنية، وبقية الأجهزة الأمنية، باختلاف رتبهم العسكرية، فهم الذين ضحوا ويضحون بالنفس والدم والجهد لتنعم مملكتنا العظيمة وشعبها الطيب، بالأمن والأمان، وعلينا أن لا ننكر أن لكل شيء ثمن، وأن ثمن هذا الأمن والأمان والاطمئنان الذي ننعم به، كان بكل أسف، قوافل كبيرة من الشهداء والأبطال الذين ضحوا بأنفسهم من أجل هذا الوطن، فكان الثمن دموعاً وكان دماء ..
وعلى نفس السياق، أود الإشارة الى أن عدد الشهداء من مديرية الأمن العام المصنفين "شرطي" يبلغ 207 شهداء أبطال، قدموا لهذا الوطن أكثر مما قدم أي شخص فينا، فلا أحد منا يملك أعز من روحه، وهؤلاء الشهداء الأبطال أرخصوا أرواحهم فداءً لهذا الوطن، فلا تستكثروا فرحة شرطي الأمس، فهو بطل اليوم وقدوة الغد، رفقة الآلاف من جنودنا المرابطين في الميادين وفي الخنادق والأبراج وفي كل موقع على هذه الأرض العظيمة التي رويت بدماء الشهداء الذي عشقوا رائحة البارود وأحبوا الموت ببطولة، كما نحب نحن الحياة.
رحم الله شهداء الأردن جميعاً، وحمى نشامى الأجهزة الامنية وقواتنا المسلحة الباسلة.