احيي الزميل جميل النمري على نقداته الذكية للكتاب المقرر لامتحان التوجيهية العامة, في مادة " الثقافة العامة", وأزيد الملاحظات التالية:1- الكتاب هو الوحيد في المنهاج الذي يقع في باب تشكيل الأفكار والمعتقدات, فالطالب المتوسط يأخذه على محمل الجد والإنحياز, بينما يرى المواد الأخرى على أساس أنها تقع في باب المعلومات. وسأتجاوز عن الطالب الذي حاز شيئا من المعارف الحية, ما يجعله يشد شعر رأسه, غضبا من الجهالات المضطر لحفظها في ما يسمى كتاب " الثقافة العامة"
2- من الناحية الفنية, نلاحظ أن لغة الكتاب رديئة ومضطربة, ومعالجاته ساذجة, وأفكاره متحيزة, ومعطياته لم تعد متداولة الا في أوساط توقفت عن المتابعة منذ زمن بعيد, وحفل بالتكرارات والادعاءات.
3- والكتاب, باختصار, صادر عن عقلية مفرطة في الرجعية, من حيث عدائها للديمقراطية والشيوعية والتنوير والروح الوطنية الحديثة والنظرة الموضوعية للتاريخ والقوى والصراعات, وهو يطمس الحقائق, غير عابئ بالأمانة العلمية.
4- في الكتاب, فصل طويل عن " مخطوطات البحر الميت " وهو يبدو لي نتيجة تسوية بين المطبّعين الراغبين بتزويد الطالب الأردني بـ "معرفة" بالآخراليهودي, وبين متدينين عنصريين يريدون تركيز فكرة تحريف الأديان في العقول الشابة. انه فصل ثقيل الظل لا معنى لحشره في المنهاج, ولا توجد له أي ضرورة ثقافية أو وطنية. وينبغي حذفه نهائيا. وبدلا منه كان يمكن تدريس نص مسلة ميشع, الذي بنى الكرك وهزم الإسرائيليين, أو - مثلا - نص موجز من كتيب الراحل إحسان عباس عن مملكة الأنباط.
5- في الفصل الخاص بالهاشميين, نجد نصا مضطربا مفككا مكتوبا بحيث يؤدي الى عكس مقاصده.وبدلا منه يمكن اختيار نصوص حيوية, للمؤرخ سليمان الموسى حول الحسين بن علي, ومقتطف من مذكرات الملك عبد الله الأول, وآخر من كتاب الملك الحسين " مهنتي كملك".
6- في تعريف الأيدولوجيات المعاصرة, يذكر الكتاب : النازية والفاشية والصهيونية والشيوعية, وفقط !! وهو يعرفها تعريفات ساذجة, وحذف منها الأيدولوجيات الليبرالية والاستعمارية والإمبراطورية الأمريكية - بقصد لا يخفى على القارىء - و حذف الأيدولوجيات القومية والدينية, لأنه يكره خلطها مع الصهيونية التي يجب أن تترادف, في عقل الطالب, مع الشيوعية!! يمكن شطب كل هذا الهراء, وتقديم دراسة محايدة حول الأيدولوجيات المعاصرة للفيلسوف المغربي عبد الله العروي مثلا, وتخصيص فصل خاص حول " الصهيونية" يتم اختياره من مئات النصوص الممتازة المكتوبة حول الموضوع.
7- المعرفة" الفنية" بالقوات المسلحة لا تخلق معرفة بها أو الولاء لها, فما يخلقهما هو عرض محكم نابض بسيرة الحروب والمعارك التي خاضها جيشنا, وتعريف الطالب بأهم بطولاته, وأهم شهدائه, وقصص استشهادهم, وفيها, كما نعلم, مشاهد درامية جذابة. وينبغي أن يتضمن فصل كهذا وقفات مع حرب الـ 48 ومعركة القدس وحرب الـ 67وحرب الإستنزاف ومعركة الكرامة وحرب تشرين. فهذا التاريخ لا تلغيه معاهدة وادي عربة.
وسوف أكتفي بهذه النقاط الى حين نشر الدراسة الشاملة التي أعدها عن منهج " الثقافة العامة " للتوجيهية, وأعرض تاليا اقتراحي لإصلاحه:
اولا, من حيث المحتوى والرسالة, تقديم رؤية لتاريخية الدولة الأردنية, وأهمية الجغرافية السياسية, الأردن في الماضي والحاضر والمستقبل, والتحديات التي تواجهه, في كل المجالات, وتاريخ الجيش الأردني وحروبه وعقيدته العسكرية, وجماليات البيئة والثقافة السلوكية والغذاء واللهجة...الخ في الأردن والتأكيد على قيم الديمقراطية والمواطنة والحقوق الدستورية والتسامح الديني وسيادة القانون ونبذ العنف والمساواة الاجتماعية,والتعريف بالإيدولوجيات الاستعمارية ومخاطرها على العالم العربي, وتكوين عقيدة وطنية معادية للصهيونية, لكنها متسامحة إزاء اليهودية كدين, واليهود كبشر.
ثانيا, ينبغي الكف, كليا, عن " تأليف" كتاب" الثقافة العامة", بل اعتماد الخطوط العريضة السابقة, ومن ثم اختيار نصوص حية من أقلام كبار الكتاب والمؤرخين والمفكرين, لتغطيتها.
ثالثا, إعداد منهاج " الثقافة العامة" أخطر من أن يُترك لكادر وزارة التربية والمتعاونين معه, ولا بد أن تدعو الوزارة هيئة من المثقفين المشتغلين بالشأن العام, للقيام بهذه المهمة.