تداعيات إنقلاب حماس العسكري على السلطة الوطنية الفلسطينية بزعامة فتح في غزة تلقي بظلالها على تحالفات المعارضة الأردنية بقيادة الاسلاميين, إذ انشقت إلى خندقين يعكسان اصطفافات طرفي الصراع على نحو يهدد وحدة المعارضة لأول مرة منذ قيامها قبل 13 عاما. وبين الطرفين يقف تيار ثالث يمثّله حزبان او ثلاثة يحاول التوفيق بين الجانبين بانتهاج معادلة التفاهمات على الحد الادنى, حتى لا تتعمق الانقسامات والدولة مقبلة على انتخابات بلدية (31 تموز) وتشريعية أواخر العام.
صحيح ان الرئاسة الدورية للجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة- 15 تنظيما سياسيا- تحاول احتواء الخلافات الداخلية المتنامية بين جبهة العمل الاسلامي بقيادة زكي بني ارشيد وبين الأحزاب اليسارية والقومية بعد أن وجه بني ارشيد انتقادات حادة لرفاقه اليساريين في جبهة المعارضة وصلت إلى اتهامهم بالخيانة حين أدانوا الانقلاب الحماسي. على أن هوّة التباين في المواقف الايديولوجية والسياسية بين الشركاء آخذة بالاتساع وفي خلفية المشهد المحلي استحقاق الانتخابات. لذلك باتت الأوساط السياسية على قناعة بأن فرط عقد التحالف قادم لا محالة لأنه قام على اساس مقاومة التطبيع عشية توقيع معاهدة وادي عربة بين الاردن واسرائيل عام ,1994 وهو لن يستطيع الصمود امام التناقض في المصالح القومية لاعضائه.
يعكس هذا التباعد حال الشارع الاردني المنقسم على نفسه والذي يحمّل طرفي الصراع الفلسطيني مسؤولية التشظّي على الساحة الفلسطينية. إلا أن الصوت الأعلى هو الذي يدافع عن الشرعية المتمثلة بالسلطة في بلد لطالما تأثرت أجواؤه السياسية والشعبية بمجريات الاحداث في الضفة الغربية بسبب الجغرافيا السياسية, الديمغرافيا والتاريخ وصلات القربى.
يرى بني أرشيد المقرب من حماس انه "بات من الصعب الاستمرار فى ظل الوضع القائم في تحالف كان قاسمه المشترك مقاومة التطبيع". وتابع في مقابلة مع العرب اليوم ان التحالف "أمام خيارين إما الانقسام أو تصويب بعض المواقف".
بني ارشيد كغيره من الشخصيات الأساسية في الاحزاب القومية واليسارية الاخرى لا يريد ان يكون المبادر الى فرط عقد التحالف والافتراق. الجميع يراهن على الوقت.
أحمد يوسف, امين عام حزب الشعب الديمقراطي "حشد" المقرب من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين, الذي يعزف نغما متشائما شبيها. إذ يقول يوسف إنه غير متفائل ببقاء التحالف بعد ما اسماه "تفهم وتأييد التيار الاسلامي في الاردن لانقلاب حماس السياسي بأدوات عسكرية في غزة". يضيف الناشط اليساري أن "عقلية حماس الانقلابية. وما تحظى به من تأييد في صفوف الحركة الاسلامية الاردنية سينعكسان بلا شك على استمرارية تنسيقية المعارضة, وعلى اعادة الاصطفافات داخل التحالف, والتي بدأت تأخذ طابعا حديا".
بحسب يوسف, "بات واضحا أن التيار الاسلامي, سواء في الاردن او العالم, وتحديدا في فلسطين بعد انقلاب غزة, لا يملك مشروعا سياسيا بقدر ما هو مشروع عالمي محكوم بعقلية الشمولية والسيطرة والمغالبة". "هكذا هو التيار الاسلامي, عندما تسنح له الفرصة او يهيمن, لا يتراجع ولا يفتح المجال للتيارات والآراء الاخرى", حسبما يرى الناشط اليساري الذي أثار علامات استفهام على قاعدة أن "ما حدث في غزة يخوفنا من موقف التيار الاسلامي تجاه الديمقراطية".
معلوم أن حركة المقاومة الإسلامية تشكلت مع إرهاصات الانتفاضة الأولى أواخر العام 1987 من رحم بقايا خلايا الإخوان المسلمين في غزة والضفة الغربية الذين كانون امتدادا لجماعة الإخوان في الأردن منذ نشأت عام .1946
الخلاف القائم أخرج الى العلن توترا كامنا بين الفرقاء منذ سنوات. ولطالما شكت احزاب المعارضة من سطوة وتفرد الجبهة في اتخاذ القرارات. لكن قرارات الجبهة وقتئذ لم تكن تتعارض مع مواقف المعارضة القومية واليسارية.
ظهر الخلاف الحزبي بعد سيطرة حماس على غزة يوم 15 حزيران. حينذاك فضلت غالبية أحزاب المعارضة- بعضها يرتبط بعلاقات تأريخية وتنظيمية سابقة مع فصائل منظمة التحرير "مظلة السلطة الفلسطينية"- عدم التعليق باستثناء بيان مقتضب صدر عن "حشد" الذي دان فيه حماس وفتح "للجوئهما للسلاح".
ثم اصدر "الاخوان المسلمون" بيانا طويلا, عبروا فيه عن "تفهمهم" لخطوة حماس, باعتبارها "اضطرارية لإجهاض مخطط إسرائيلي-أمريكي بمشاركة تيار فلسطيني للانقضاض على حماس".
لكن الاخوان سجلوا - ربما لأول مرة في تاريخ العلاقة مع حماس الفلسطينية - تحفظات على اللجوء الى السلاح بين الاشقاء وأكدوا تمسكهم بالشرعية الفلسطينية, الممثلة برئاسة محمود عباس الفتحاوي وبحكومة الوحدة الوطنية والمجلس التشريعي, الخاضعين لسيطرة حماس. يأتي ذلك بينما يواجه الإسلاميون في الأردن ململة متزايدة لدى اطياف مختلفة داخل جسمهم ربما بسبب دخول أطراف عربية وإقليمية على الخط.
بان عمق الانقسام عندما حان موعد الاجتماع الأسبوعي الدوري لتنسيقية المعارضة يوم 18 حزيران, الأول بعد انقلاب غزة.
غاب ممثل جبهة العمل الاسلامي تجنبا للخلاف. وفي غيابه أصدرت اللجنة بيانا يدين "سيطرة حماس بالقوة العسكرية على غزة", بل واعتبرتها "جريمة بحق النضال الفلسطيني وتضحياته".
وبعد ساعات أصدر حزب جبهة العمل الاسلامي بيانا حول الاحداث الفلسطينية, عبر عن تفهمه لخطوة حماس, و"اضطرارها لإنهاء حالة الفوضى التي عانى منها الشعب الفلسطيني طويلا وحالت دون تقدم المشروع الوطني في البناء والمقاومة".
ووجد الخلاف داخل ائتلاف المعارضة طريقه سريعا الى واجهات الصحف.
في اجتماعها الدوري الثاني قبل أيام تراشق بني أرشيد الاتهامات مع امين عام حزب "حماة" يعقوب الكسواني - عضو سابق في حركة فتح.
لكن ائتلاف المعارضة حرص في النهاية على اصدار موقف عام من فلسطين "يدعو للعودة للشرعية الفلسطينية والحوار بين فتح وحماس وكل الفصائل الفلسطينية", والتحذير من "التدخل الاسرائيلي والخارجي" بين الفلسطينيين.
في الاجتماع الثالث حاول الجميع الابقاء على مظاهر الوحدة المفقودة اصلا.
قبل ذلك, رفضت الاحزاب القومية واليسارية دعوة الإسلاميين للانضمام إلى لجنة وطنية تقود مبادرة شعبية اردنية للتقريب بين فتح وحماس بسبب "عدم حيادية الاخوان, وتبنيهم لموقف حماس", بحسب ما قال احد النشطاء. كان الاخوان المسلمون شكلوا هذه اللجنة في ملتقى وطني عقد أخيرا.
بل وحرصت الاحزاب القومية واليسارية في الائتلاف على تثبيت قرار رسمي ينص على ان عضوية امين عام حزب الوحدة, في لجنة مبادرة الاخوان هي قرار خاص بحزبه, ولا يمثل تنسيقية المعارضة, التي تسلم الوحدة رئاستها الدورية أخيرا من سلفه الشيوعي.
ويشبه الساسة حالة التجاذب في الآراء داخل تنسيقية المعارضة الاردنية بالحال الذي ساد بينها عام ,1997 حين انقسمت اتجاه الانتخابات النيابية التي جرت نهاية ذلك العام. إذ قاطعها الاسلاميون, ومعهم عدد قليل من الاحزاب اليسارية, اضافة الى النقابات المهنية, التي تخضع في غالبيتها لسيطرة الاسلاميين.
قرار المقاطعة وقتها جاء اعتراضا على استمرار العمل بقانون الصوت الواحد, الذي يعتبره الاسلاميون "استهدافا رئيسيا لهم, ومفصلا لتحجيمهم في المؤسسة التشريعية" وفي الحياة السياسية., لكن الاسلاميين عدلوا عن قرارهم وشاركوا في الانتخابات التي جرت عام 2003 وهم يستعدون الآن لخوض الاستحقاق النيابي القادم.
بعد الاسلاميين, يتشكل المحور الثاني في ائتلاف المعارضة من خمسة احزاب قومية ويسارية, كانت ناشطة في مرحلة العمل السري, منذ خمسينيات القرن الماضي, وحتى مرحلة العمل العلني, بصدور قانون الاحزاب السياسية عام 1992. وهي : حزب البعث الاشتراكي "المقرب من العراق سابقا" والبعث التقدمي "المقرب من البعث السوري", واحزاب حشد والوحدة الشعبية "المقرب من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين", اضافة الى الشيوعي الاردني, الذي كان انبثق منذ خمسينيات القرن الماضي عن الحزب الشيوعي الفلسطيني.
اما سائر أعضاء الائتلاف, وهم اكثر تواضعا في القوة والانتشار, فيدورون في فلك الاحزاب الستة الكبرى, ويندرج ضمنها حزبان صغيران, هما حركة حقوق المواطن "حماة", والعربي الاردني - خرج مؤسسوهما من حركة فتح, التي حظيت - من بين قوى منظمة التحرير الفلسطينية - بالحضور الشعبي الفلسطيني الأقوى في الساحة الاردنية, بعد خروج المنظمات الفلسطينية من الاردن عقب احداث أيلول الأسود .1970
ولم ينافس "فتح" بين فلسطينيي الاردن, بصورة رئيسية سوى التيار الاسلامي "الاخوان المسلمون" ولاحقا حركة "حماس", التي حظيت بدعم رسمي أردني حتى عام ,1999 عندما لجأت الحكومة الاردنية, في بدايات عهد الملك عبد الله الثاني الى نزع صفة الحظوة عن العلاقة مع حماس. وتم إبعاد اعضاء المكتب السياسي للحركة, ورجلها الاول في الخارج خالد مشعل.