الشاعر العراقي سامي مهدي .. وداعا
د. محمد ناجي عمايرة
22-09-2022 02:05 PM
سامي مهدي شاعر واديب عربي عراقي ذائع الصيت فقدناه وفقدته الثقافة العربية قبل ايام.
وقد كان رحيله فاجعا لكثير من أصدقائه وزملائه الأردنيين والعراقيين والعرب بعامة وفي قطاعي الثقافة والصحافة والاعلام بخاصة.
لقد اتيح لي ان اتعرف إليه خلال مشاركاتي العديدة في مهرجان المربد الشعري في العراق وفعاليات مؤسسة بيت الحكمة وبعض الندوات الفكرية التي عقدت في بغداد خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي واوائل القرن الحالي.
وقد اطلعت على اعماله الشعرية والنثرية قبل ان اعرفه شخصيا ليطابق الخبر الخبر(بضم الخاءوتسكين الباء).
تتسم شخصيته بالرصانة والميل الى الهدوء و البعد عن المظهرية.
على ان حضوره الشعري والادبي والثقافي أوسع بكثير من حضوره العام. ولا شك انه من المؤثرين في الحركة الشعرية الحديثة عراقيا وعربيا.. إلى جانب اعماله النثرية ودراساته ومؤلفاته المترجمة.
وإلى جانب ذلك فقد كان سياسيا ملتزما وفاعلا في الأطر الحزبية وخاصة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق.
قرات قصائده في الدوريات الثقافية العربية والعراقية قبل ان اقرا ديوانه" أسفار جديدة ".
وقد يكون من الأهمية بمكان ان تقارن كتبه النقدية التطبيقية بنصوصه الشعرية لتكتشف قدراته في المجالين .
وانا اكتب هذه المقالة دون ان تتوفر لي مجموعاته الشعرية وكتبه لأن مكتبتي التي تضم معظم إنتاجه اللاحق مازالت حبيسة الكراتين بانتظار الإفراج عنها وإعادة ترتيبها في الخزائن نتيجة تنقلاتي واسفاري خارج البلاد.
واعود الى سامي مهدي الشاعر الرقيق المرهف الإحساس لكي أشير اولا إلى انه ارتقى بقصيدته الى مستوى متقدم يعطي للحداثة حضورها والقها ومستواها الفني الرفيع.
لقد مثلت المدينة ثيمة اساسية ورمزا شائعا في القصيدة العربية الحديثة منذ اثبتت ظاهرة الشعر العربي الحديث او الجديد حضورها ورسخت وجودها بوصفها ثورة على القديم في الثقافة والادب والحياة في النصف الثاني من القرن العشرين الى اليوم.
وجاء تكثيف الرموز والأساطير وتوظيفها في القصيدة ليعكس موقف الشاعر من الكون والحياة والإنسان.
وهذا ما نجده لدى شعراء جيل الرواد مثل نازك الملائكة وبدر شاكر السياب ومن بعد لدى عبد الوهاب البياتي و خليل حاوي وصلاح عبد الصبور وأدونيس واحمد عبد المعطي حجازي وحميد سعيد وعبد الرحيم عمر وتيسير سبول وغيرهم .
وبقدر ما يتوفر بين يدي الآن من اعمال سامي مهدي الشعرية وهو ديوان (أسفار جديدة)فإني أجد لديه عددا من القصائد التي تشكل المدينة العربية مادتها الأساسية.
وقد لفتت انتباهي قصائد " اسارير عمان " و" مدن جديدة " و "بيروت " و" حسرات الدمشقي الأخير ".وسواها تاتي في متن القصائد لا عناوينها.
في قصيدة( أسرار عمان) ثمة حاجة الى الإشارة إلى أنه كتبها عام ١٩٧١.
وهو يقرأ عمان في وجوه متعددة حيث كما يقول:
لعمان وجه يراود،
ها أن عنقودها يتدنى إلى شفتي ،
افاوض عمان اسالها عن سماء من النار،
اغازلها..وافل ذوائبها
لم تزل حلوة تتألق فوق التلال.
ثم يقول:
(لعمان وجه يخاتل
ينبت في الريح
يمنعنا حين نبكي فراشا وسقفا )
...
(لعمان وجه من الخوف
وهي موقوفة في خطوط الخرائط.
عمان لم تلتمس بزة ترتديها ولم تدرع
إنما مسحت وجهها بالرماد
وفاءت الى خيمة في العراء.
إن استعراض اسماء مجموعات مهدي الشعرية وهي كثيرة يعكس غزارة انتاجه وتجربته الأصيلة وتطورها وتميز صوته الشعري عن نظراته ومجايليه مثلما ان مؤلفاته النثرية وكتبه التي ترجمها وهي كثيرة ايضا تشير الى ثقافته الواسعة التي دعمت موهبته الشعرية وعززت حضوره البارز اديبا وكاتبا وشاعرا.
نفتقد سامي مهدي و ندعو إلى دراسة تجربته وشعره. لروحه السلام ولذكراه الخلود.